السلام عليكم، أنا عندي ١٩ سنة حاليًا، لكن، ومنذ حوالي ٥ سنين ظلمت واحدة “فتاة”. هي بنت كانت أكبر مني بسنة وانا كنت مصاحبة فتاة أخرى، وكان بينها وبين البنت اللي ظلمتها “عداوة”، وحدثت مشكلة لها بسببي، فما كفارة ما فعلت؟
الـجـــواب
كفارة الغيبة هي التوبة، والندم على فعلها، والإقلاع عنها، والعزم على عدم العودة إلى مثلها، وإذا بلغت الغيبة المغتاب فلا بد من استحلاله، وأما إذا لم تبلغه فيكفي التوبة والاستغفار منها، والاستغفار للمغتاب، ولا يحتاج إلى استحلال، فقد قال أبو سعيد الخادمي الحنفي في “بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية” (3/ 189، ط/ الحلبي): [(والثاني أن يغتاب وتبلغ غيبته المغتاب فهذه معصية لا تتم التوبة عنها إلا بالاستحلال) من المغتاب (لأنه آذاه) ببلوغ غيبته إليه (فكان فيه) في بلوغ الغيبة (حق العبد أيضا) أي كما كان حق الله تعالى فباعتبار نهيه تعالى حقه تعالى وباعتبار إيذائه للعبد حق العبد لكن السابق إلى الخاطر أن علة النهي هو الأذى فينبغي أن يكون حق العبد فقط لكن فيه تأمل (وهذا مجمل قوله – عليه الصلاة والسلام – فيما خرجه ” دنيا طط ” عن جابر – رضي الله تعالى عنه – «الغيبة أشد من الزنا قيل وكيف؟» تكون أشد «قال الرجل يزني ثم يتوب عنه فيتوب» أي يقبل «الله عليه» توبته هذا إذا كان الزنا طوعا لا كرها ولم تكن المزنية منكوحة أو أمة لغيره ولم يلحق به عار لأحد وإلا فلا يكفي مجرد التوبة لاختلاط حق العبد حينئذ بل لا بد معها من الاستحلال وطريقه فيه لا يكون إلا بطريق التعميم على قوله أبي يوسف وعليه الفتوى بأن يقول إني أطلب منك استحلال جميع حقوقك المتعلقة بدار الآخرة إذ لو صرح لزم الوقوع في مفسدة عظيمة «وإن صاحب الغيبة لا يغفر له» من جهته تعالى «حتى يغفر» أي يتوب ويحلل «صاحبه» يشكل بقوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فتأمل تصل.
(والثالث إن لم تبلغ الغيبة) المغتاب (فيكفيه التوبة والاستغفار له ولمن اغتابه) ولا يحتاج إلى استحلال لأنه لم يؤذه فلم يكن فيه حق العبد لكن يشكل بما قدم آنفا من أن علة النهي هو الأذى فإذا انتفى الأذى فيلزم أن تنتفي الحرمة إلا أن يمنع كون العلة ذلك أو يقال يكفي في العلة الجنس وإن تخلف في بعض الأفراد وقد يشرع الحكم العام بالعلة الخاصة كالمشقة في السفر للرخصة (دنيا. عن أنس – رضي الله تعالى عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله تعالى عليه وسلم – «كفارة من اغتبته أن تستغفر له» إذا لم تصل إليه وينبغي أن يقيد أيضا بما إذا تعذرت مراجعته واستحلاله وإلا تعين كما عرفت في الفيض عن الغزالي يحتج الحسن بهذا الحديث على كفاية الاستغفار دون الاستحلال ولو تاب قبل الوصول ثم بلغ لا تبطل التوبة بل يغفر الله لهما المغتاب بالتوبة والمغتاب منه بما لحقه من المشقة.
كما نقل عن شرح الشرعة عن أبي محمد ثم عن ابن الجوزي بأن الحديث موضوع وعن عبسة متروك وعن السيوطي ضعيف وعن العراقي أيضا في تخريج الإحياء ضعيف (وهذا التفصيل هو الأصح الذي اختاره الفقيه أبو الليث وعند البعض يحتاج إلى الاستحلال مطلقا) وصلت أو لا هذا على قياس الحقوق المالية فإن من سرق مال أحد يجب الاستحلال بالاتفاق مطلقا والجواب أنه قياس مع فارق لأن المال ملكه وحقه في نفس الأمر بخلاف الغيبة فإنه عند عدم علمه بالغيبة لم يفت منه شيء ولم يحصل له أذى أصلا فليس عليه حق جدا مع أنه على هذا لا يمكن التوفيق بين الحديثين مع المخالفة للثاني منهما فالحق قول الفقيه إذ حينئذ يحصل التوفيق بحمل الأول على الوصول والثاني على عدمه.
كذا ذكر المولى المحشي لا يخفى أن القياس في معرض النص ليس بم قبول لأنه من قبيل الرأي في مقابلة النص لعل الأولى أن يحكم المقام بمسألة حمل المطلق على المقيد أو ترجيح النص الموافق للقياس على ما ليس كذلك (وعند البعض لا) يحتاج إليه (مطلقا بل يكفيه التوبة والاستغفار) استدلالا بظاهر الحديث الثاني لكن لا يخفى أنه يعارضه الحديث الأول على هذا بل القياس أيضا تدبر.
وعن الإحياء الأصح أنه لا بد من الاستحلال والاعتذار وإن كان غائبا أو ميتا فينبغي أن يكثر الاستغفار له والدعاء ويكثر له من الحسنات وسبيل المعتذر أن يبلغ في الثناء عليه والتودد ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده محسوبا له يقابل به سيئة الغيبة في الآخرة]، والله أعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية