السلام عليكم؛ لديّ سؤال يحيرني ويتعبني جدًا. حيث أنني، وفي شهر رمضان الماضي لم أكن مثل كل عام؛ فلم ألتزم بصلاة التراويح وقراءة القرآن؛ فقط كنت أُصلي العشاء ثم أذهب لعملي. وعندي طفل، وكنت أجد أن الوقت قد ضاع ما بين ابني والبيت والعمل.. كنت طول الوقت -قبل الإفطار- أدعو الله -سبحانه- بحوائِج، منها أن يهد لي ابني؛ وأوقات أشعر أن كل ما دعوته يحدث عكسه، حتى ابني أصبح عصبي جدًا وتاعبني جدًا .. هل هذا معناه أن ربنا رافضني؟
الجواب
لقبول الدعاء ثلاثة شروط أساسية:
- الشرط الأول: دعاء الله بصدق وإخلاص، لأن الدعاء عبادة، قال الله -تعالى-: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر:٦٠]. وقال -تعالى-: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: ٥].
- الشرط الثاني: ألا يدعو المرء بإثم أو قطيعة رحم، لما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل». قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
- الثالث: أن يدعو بقلب حاضر، موقن بالإجابة. وعند تخلف هذه الشروط أو أحدها لا يستجيب الله الدعاء، فتوفرها شرط، وانتفاؤها مانع.
وهناك أسباب لإجابة الدعاء ينبغي للداعي مراعاتها وهي:
- الأول: افتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وختمه بذلك.
- الثاني: رفع اليدين.
- الثالث: عدم التردد، بل ينبغي للداعي أن يعزم على الله ويلح عليه.
- الرابع: تحري أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار من الصيام، وغير ذلك.
- الخامس: أكل الطيبات واجتناب المحرمات.
ومن الدعاء ما ثبت بالدليل الشرعي أنه مستجاب من ذلك:
- ١ – دعوة ذي النون: فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له».
- ٢ – عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت جالسا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أتدرون بم دعا»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» رواه النسائي والإمام أحمد.
وهناك مواطن يستجاب فيها الدعاء ومنها:
- ١ – أثناء السجود، فقد أخرج مسلم وأصحاب السنن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم».
- ٢ – ساعة من يوم الجمعة، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه» وأشار بيده يقللها.
- ٣ – ثلث الليل الآخير، فقد أخرج مسلم وأصحاب السنن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله -تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى، هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، حتى ينفجر الصبح». وعليك بالإلحاح في الدعاء دائما فإن الله يستجيب لك ولا تترك الدعاء إذا لم تجد أمارة لاستجابة الدعاء فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي» أخرجه البخاري ومسلم.
- ٤- الدعاء مستحب بين الأذان والإقامة لكل فريضة، وهو وقت يستجاب فيه الدعاء، ويجوز أن يدعو المسلم بعد الفراغ من أداء سنة الفجر حتى تقام فريضة الفجر. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في “الغرر البهية” (١ /٢٧٥،ـ ط/ المطبعة الميمنية): [يسن فصل يسير بينهما بقعدة أو سكوت أو نحوهما ويسن أن يدعو بينهما لخبر ( الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ) رواه الترمذي وحسنه].
- ٥- الدعاء بعد الصلوات المكتوبة مستحب شرعا لما روى عن معاذ بن جبل: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد معاذ يوما فقال: “يا معاذ، والله إني لأحبك”. فقال معاذ: بأبي أنت وأمي، والله إني لأحبك. قال: “يا معاذ، أوصيك لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” . أخرجه الهيثمي موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان. وما روى عن السيدة عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام»؛أخرجه السراج في مسنده. وما روى عن البراء، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث – أو تجمع – عبادك»؛ أخرجه مسلم في صحيحه.
ولقد بوب الإمام البخاري باب في صحيحه في كتاب الدعوات وسماه [ الدعاء بعد الصلاة] أي [(باب) مشروعية (الدعاء بعد الصلاة) المكتوبة]. وصار على هذه الترجمة التي ذكرها الإمام البخاري في صحيحه الحافظ الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان في (كتاب الأذكار) وما ذلك إلا للدلالة على مشروعية الدعاء عقب الصلوات المفروضة .
قال الحافظ ابن حجر في” فتح الباري ” (١١/ ١٣٣ ط دار المعرفة – بيروت): [(قوله باب الدعاء بعد الصلاة) أي المكتوبة وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكا بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يثبت إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسا على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على اصحابه].
وقال العلامة المحدث الفقيه الشافعي كمال الدين، محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري في “النجم الوهاج في شرح المنهاج” (٢/ ١٨٧ ط دار المنهاج – جدة) :[يستحب الدعاء بعد الصلاة؛ لما روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الدعاء أسمع؟ – أي: أقرب إلى الإجابة- قال: (جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات)].
وقال العلامة العمراني في “البيان في مذهب الإمام الشافعي” (٢/ ٢٤٨ ط ):[(مسألة الدعاء بعد الصلاة) ويستحب للإمام وغيره إذا فرغ من الصلاة أن يدعو؛ قال الشافعي: (وأحب أن يخفت صوته، ويسمع به نفسه، ولا يجهر، إلا أن يكون إماما، فيريد أن يتعلم الناس منه، فيجهر به حتى يعلم أنهم تعلموا، ثم يخفت؛ لقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: ١١٠] [الإسراء: ١١٠] . يعني: لا تجهر بدعائك، ولا تخفت حتى لا تسمع نفسك)].
وللدعاء موانع تمنع استجابته فعلى المسلم أن يحذر منها، من ذلك:
- – تناول الحرام أكلا وشربا ولبسا فقد ذكر الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك”.
- – الدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم أو الاستعجال وترك الدعاء. وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولله الحكمة البالغة في أفعاله وأقواله وقضائه وقدره، والله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز، أما الإنسان فقد خلق من عجل كما قال -تعالى- {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [الأنبياء: ٣٧] أي: كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته، وهو لا يعلم إلا ظواهر الأمور دون حقائقها وبواطنها، ولهذا فقد يتعلق بشيء يظن أن الخير كله فيه ولا يكون في حقيقة الأمر كذلك بالنسبة له، بل يكون هناك ما هو خير له منه.
ولهذا فإجابة الدعاء لا يشترط أن تكون بإعطاء السائل ما يسأله تماما وإنما قد يدفع بها عنه بلية ويكون ذلك خيرا له من أن يأخذ عين ما سأل، وقد يدخر له تلبية الدعاء في الآخرة بما هو خير له من الدنيا وما فيها، وعلى الإنسان أن يحسن الظن في الله -عز وجل-، وأن يرضى بما قضاه، وأن يتوكل عليه حق التوكل فما الدعاء إلا للتعبد والأخذ بالأسباب، فلا يتعلق القلب كل التعلق بما يطلبه، وإنما بمن يسمع دعاءه ويلبيه على خير الوجوه، والله -تعالى- أعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية
اقرأ أيضًا: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له