إن من أعظم نعم الله تعالى على العبد: أن يرزقه العافية في الدنيا والآخرة، العافية والسلامة من الأهواء والأدواء، من البدع والعصيان والشرك والكفران، ومن جميع الأمراض والأسقام، في نفسه وأهله وولده وماله وبلده، وفي معاشه ومعاده؛ فعن عبيد الله بن محصن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافـى في جسده ، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمن والأمان، والعافية في الأبدان، وجعل ذلك خلاصة الدنيا وأهم ما فيها، فمن لم يستغل هذه النعم في طاعة الله بعد أن رزقه الله العافية والأمان والفراغ فهو الخاسر المغبون؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
ولأهمية العافية جاءت الوصايا الكثيرة من نبي الرحمة نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته في الحث على سؤالها والتضرع إلى الله تعالى بأن يتمها، واسمع وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه فقد قال له: «يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة» [رواه أحمد والترمذي وصححه].
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى الناس عن تمني لقاء الشر ويذكر بسؤال العافية، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» [رواه البخاري ومسلم واللفظ له عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه]، بل كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله العافية في كل صباح ومساء كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني].
وأمر صلى الله عليه وسلم العبد إذا أراد أن ينام أن يسأل الله العافية فيقول إذا أخذ مضجعه: «اللهم خلقت نفسي، وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية» [رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما].
نعمة العافية
ومن أعطي العافية فقد أعطي خيرا كثيرا وفضلا عظيما ونعمة من أعظم النعم، وإذا جمع الله له مع العافية العفو والمغفرة فهو الربح العظيم، والثواب العميم؛ فعن رفاعة بن رافع قال: قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى فقال: «اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
فسؤال الله العافية والمعافاة من أفضل الدعوات، ومن أزكى ما يسأله العبد رب الأرض والسموات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
النهي عن استعجال بالعقوبة
لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم العبد عند البلاء أن يدعو بالعقوبة ويستعجلها على نفسه، بل عليه أن يطلب من الله العافية في الدنيا والآخرة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا قد جهد حتى صار مثل الفرخ (أي: ضعيفا) فقال له: «أما كنت تدعو؟ أما كنت تسأل ربك العافية؟» قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! إنك لا تطيقه -أو لا تستطيعه- أفلا كنت تقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» [رواه مسلم والترمذي، واللفظ له].
بل كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى وبصفاته، ويسأله معافاته من حلول غضبه وعقوباته، فكان يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» [رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها]. وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من تغير حال العبد من النعم والإحسان، إلى النقم والمصائب والعصيان، ومن العافية من البلاء، إلى الأمراض والأسقام والأدواء، ويستعيذ من غضب الله تعالى وجميع ما يسخطه، وهذا الدعاء مما ينبغي الاهتمام به وحفظه وكثرة دعاء الله به، وهو ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» [رواه مسلم].
ها نحن نرى عودة الوباء إلينا، وارتفاع عدد الإصابات، مما يدعونا إلى الالتجاء إلى الله تعالى والتضرع إليه أن يرفع عنا وعن المسلمين هذا البلاء والمرض؛ فإن الأمر إلى الله، والدنيا والآخرة ملكه وحده، وهو ربنا لا رب لنا سواه، ولا كاشف للبلاء إلا هو؛ ]وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم[ [يونس:١٠٧].
العودة إلى الله
ومن أعظم ما يدفع البلاء قبل وقوعه، ويرفعه حين وقوعه: العودة إلى الله تعالى، والتزام تقواه، والخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل؛ قال تعالى: ]ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون] – [الأنعام:٤٢-٤٣]، وأن نرجع إليه بالتوبة من الذنوب والتخلص من العصيان؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وأكثروا من الاستغفار؛ فهو للخير مدرار؛ ]فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا] – [نوح:١٠-١٢].
ومن أسباب السلامة: اتباع الإرشادات الصحية والإجراءات الوقائية التي أمرت بها الجهات المسؤولة، من لبس الكمامة، وإحضار سجادة خاصة للصلاة، والبعد عن التجمعات، وعدم السفر إلا لضرورة، وأخذ التطعيمات المقررة. والأخذ بالأسباب، من تمام التوكل على اللطيف الوهاب.
أدعية بالعافية
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين، اللهم وفقنا لمحبته، وأحينا على سنته، وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته، وأكرمنا بشفاعته، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات؛ الأحياء منهم والأموات، إنك قريب سميع مجيب الدعوات.
ربنا ارفع عنا البلاء والوباء، والضراء والبأساء، وأدم علينا النعم، وادفع عنا النقم، اللهم وفق أميرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لهداك، واجعل أعمالهما الصالحة في رضاك، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.