عندما أردنا أن نسلَط الضوء على أسس بناء الأسرة المسلمة الصالحة بشكل أكثر تيسيرًا وتبسيطًا؛ كان هدفنا أن يكون الخِطاب موجهًا بالأساس إلى أفراد الأُسرَة عامَّة؛ كالأب والأم وكذلك الأبناء.
بناء الأسرة المسلمة
إن من أعظم الحكم الربانية في بناء الأسرة المسلمة انتقال الدين بعباداته وتشريعاته وأخلاقه من جيل إلى جيل، ولننظر في كتاب الله نجد هذا المعنى أجلى من أن يجلى؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، وما كونهم ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾، إلا أنهم يحملون الدين وتعاليمه أمة بعد أمة، وإن هذا المعنى ينبغي أن يكون حاضرا في ذهن كل مرب، فينشئ المربي من يربيهم على الفضيلة، ويحملهم على مكارم الأخلاق، ويدعوهم إلى كل حسن من الأقوال والأفعال.
وإن من أنجح الوسائل في تزكية الذرية أن يكون المربي قدوة حسنة لهم؛ فإن الأولاد، ذكورهم وإناثهم يتأثرون أكثر ما يتأثرون بالوالدين، وخصوصا في السنوات العشر الأولى من أعمارهم؛ فتجد الولد يقول ما يقول والداه، ويفعل ما يفعل والداه، ويتحرك كما يتحرك والداه، ويسكن كما يسكن والداه، ويمشي كما يمشيان، ويجلس كما يجلسان، وهكذا في سائر شؤون حياته.
ولذلك كان من حكمة خلق الإنسان غير مستغن عن والديه أن يتربى على يديهما، ويلازمهما ليأخذ عنهما، فمن رأيته مستقيم السيرة حسن الخلق فاعلم أن وراءه والدين أدركا واجبات الوالدية، وعرفا حقوق الأولاد، وتنبها أنهما مطالبان بأن يكونا قدوة حسنة لأولادهما؛ فقال -سبحانه- في سورة الكهف ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا﴾.
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
لقد كثرت المؤثرات التي يمكن أن تكون مكونة لشخصية الطفل، فهناك تلفاز وشبكة ووسائل تواصل وهواتف تجدها في الأيدي أكثر الوقت، ولنعلم أن “تربية الأولاد لا يمكن أن تكون عبر وسائل التواصل”؛ فكيف لولد يصبح ويمسي على هذه الشبكات بين برامج أكثرها غث أن ينشأ على مكارم الأخلاق، ويتربى على كريم الخصال! ويستمر الأمر على هذه الحال حتى يدخل مرحلة الخطر، ويلج في دوامة الإدمان؛ فتجده لا يستطيع مفارقة ذلك الجهاز، فلا يستجيب لنداء، ولا يسمع داعيا، ولا يعي نصيحة، بل يكون بين والديه وإخوته وهو في واد وهم في واد آخر.
بل إن من الأولاد المدمنين من يدعوه أهله إلى الطعام فلا يستطيع ترك الجهاز، فلا يجيبهم، وقد سمعنا عمن أخذ عنه والداه الجهاز ليحضر للطعام فقام وقتل نفسه والعياذ بالله، فهل يظن الوالدان اللذان كانا سببا في جعل ولدهما يصل إلى هذه الحال أنهما معذوران! أين هما من قول الله جل جلاله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.
وأين هما من قول النبي ﷺ: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
الأطفال والهواتف
واعلموا أن من كبريات الأخطاء أن يعمد الأب أو الأم إلى ولدهما الصغير ذي السنتين أو الثلاث أو الأربع فيعطياه هاتفا، حتى لا يبكي أو لا يتحرك أو لا يخرج أو حتى يكون هادئا، على ما يزعمان، ونسيا أو تناسيا واجبهما في التربية، ووكلا أمر تربيته إلى ذلك الهاتف يقلب برامجه حيث يشاء، يبدأ ولا ينتهي، ولا يستطيعان سحب الهاتف عنه إلا بصراخ وصياح يسمع من بعيد.
أهكذا يكون القيام بحق الله في هؤلاء الأولاد! أين هؤلاء من تعامل النبي ﷺ مع الصغار، فتجده يقول ملاطفا وملاعبا للصغير أبي عمير الذي كان يلعب بفرخ عصفور: «يا أبا عمير، ما فعل النغير»، فيتربى ذلك الولد على المخالطة، وتنمو لديه ملكة الكلام وملكة التركيز والانتباه ومهارة التعامل مع الناس.
وأين هم من قصد النبي ﷺ أن يجلس معه الصغار حتى يتعلموا خصال الإسلام من أصغر شيء إلى أكبره؛ فيكون الواحد منهم “قرآنا يمشي على الأرض” على منهاج نبيه ﷺ!
فتجد النبي ﷺ يقول بأسلوبه الحاني لعمر بن أبي سلمة وقد شاركه في طعامه: «يا بني: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.