سوف أرتب هذه الأسئلة ترتيباً منطقياً، مُتْبعاً كل سؤال بإجابته.
السؤال الأول: ما السن التي يجب فيها الصوم على الطفل؟ وهل يجوز أن آمره بالصوم قبل ذلك؟
الجواب: لا يجب الصوم على الطفل حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يُفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فالسن التي يجب فيها الصوم هي سن البلوغ، والسن الذي يؤمر فيه بالصوم هو الإطاقة، أي قدرة الطفل على الصوم، وهو يختلف باختلاف البنية الجسمية للطفل، وقد حددها بعض العلماء بعشر سنين. قال الخرقي: «وإذا كان الغلام له عشر سنين وأطاق الصيام أُخِذ به». قال ابن قدامة: يعني أنه يُلْزم الصيام ويؤمر به.
أما الشطر الثاني من السؤال وهو: هل يجوز أن نأمر الطفل بالصوم قبل البلوغ؟ فالجواب: نعم، وذلك لتدريبه على الصوم.
ولقد جاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – ما يلي: «والصغير لا يلزمه الصوم حتى يبلغ، ولكن يؤمر به متى أطاقه، ليتمرن عليه ويعتاده، فيسهل عليه بعد البلوغ».
ومن العلماء الذين يرون أن الطفل يؤمر بالصوم إذا أطاقه: عطاء، والحسن، وابن سيرين، والزهري، وقتادة، والشافعي.
السؤال الثاني: طفلي صغير ضعيف البنية، ويصر على الصوم.. كيف أتصرف؟ وهل أمنعه بالقسوة والإكراه؟
الجواب: إذا كان صغيراً لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم، وفي هذه الحالة قد يطيق الطفل الصوم دون مشقة ودون ضرر صحيّ، وفي هذه الحالة نسمح له بالصوم، بل نشجعه عليه، ونأمره به، كي يتدرب عليه، ويألفه عندما يبلغ، فلقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يُصَوِّمون أولادهم، فإذا بكى الصغير من الجوع أعطوه لُعبة أو دُمية يتلهى بها، ليتحمل الصوم، ويتدرب عليه، أما إن كان الصوم يضر الطفل الصغير.. فإنه يُمنع منه، ولكن المنع هنا يكون بالرفق والإقناع؛ وليس بالقسوة والإجبار.
السؤال الثالث: كيف أشجع أطفالي على استثمار الوقت والعبادة في شهر رمضان؟
الجواب: يمكن للآباء تشجيع أبنائهم على الصوم بوسائل متعددة، أهمها توضيح ثمار الصوم في الدنيا والآخرة، وتارة بالهدية، وتارة أخرى بشراء ما يحبون، أو بالثناء عليهم، أو التنافس الشريف، وكذلك الحال في تلاوة القرآن الكريم، وإعطاء الصدقات، والانشغال بالذكر، وإفطار الصائمين، وصلاة التراويح والتهجد، وتوفير الأشرطة السمعية والمرئية والبرامج الثقافية الجذابة المبرمجة على الحاسوب، أو على الأقراص المدمجة «السيديهات» أو غير ذلك من الوسائل المطبوعة، وغير المطبوعة.
السؤال الرابع: كيف نحبب العبادات إلى نفوس أولادنا بحيث يقبلونها راغبين؟
الجواب: من الأسس التربوية التي يجب على الآباء والأمهات مراعاتها في تحبيب العبادة إلى نفوس الأولاد ما يلي:
1 – أن يكون الدافع إلى العبادات حب الله تعالى، فهذا أجدى من الحافز المادي، أو بريق الثواب ولهيب العقاب، فالمربي الناجح هو الذي يؤثر في أطفاله، حتى يحبوا الله عز وجل، ومن ثم يعبدونه، لأنهم يحبونه، فالأطفال مفطورون على كره العقاب، فإذا أحبوا الله عبدوه بحب، وليس معنى ذلك إلغاء الثواب والعقاب.
2 – التنويع في الثواب والبدء به.
3 – تأخير العقاب بعد استنفاد وسائل الثواب، وأن يكون العقاب مناسباً دون إفراط ولا تفريط، وأن يكون الضرب آخر وسائل العقاب وبضوابطه التربوية.
4 – أن يحرص الآباء والأمهات على إفهام الأطفال معنى كل عبادة، وما يدور في العبادات من قول وعمل، فذلك يدفع أطفالنا إلى الإقبال على العبادة، ذلك أن فهمهم للعبادة يعطيهم روحها، فيتذوقون حلاوتها، ومن ثم يتعلقون بها، وهذا يضمن – بإذن الله تعالى – أن يشب الناشئة محافظين على العبادات – فإنك تستطيع أن تشكل الحديد وهو ساخن، أما بعد ذلك.. فكيف؟ وكذلك تربية الأطفال، فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، لذا فقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربية الأطفال والشباب، وقرّبهم إليه، وأثنى على حسن عبادتهم، وبشّرهم، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، شاب نشأ في طاعة الله، كما أخبر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفهم العبادة يختلف باختلاف أعمار الأطفال ومستوياتهم، ولكن لا يمكن للمربي أن يستغني عنه أياً كانت صورته، فهناك فرق بين طفل يصلي وهو يفهم معنى التكبير، ودلالة الركوع والسجود، وطفل يؤديها مجرد حركات… وهناك فرق أيضاً بين من يتدبر معاني آيات سورة الفاتحة وهو يتلوها في الصلاة ومن يرددها بلسانه دون فهم معناها وتدبره.. وهناك فرق بين طفل يصوم وهو يعي معنى الصوم وأسراره، فهو يعيش معنى الصوم بعقله ووجدانه.. وطفل ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، والأمر كذلك في بقية العبادات… وهذه المعاني التربوية للأسف الشديد مهملة في مؤسساتنا التربوية، سواء أكانت الأسرة، أم المدرسة، أم غيرهما.
5 – أن يكون الوالدان قدوة لأولادهما، فكثير من الآباء والأمهات يأمرون أولادهم بالعبادات وإتقانها وهم ليسوا كذلك، فكيف يؤثر هؤلاء الآباء والأمهات في أولادهم؟! وصدق من قال: «عمل رَجُلٍ في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل».
6 – تهيئة الجو الأسري الإسلامي الذي يعين الأطفال على أداء العبادات ويحببها إلى نفوسهم، كأن نجهّز لكل طفل أدوات العبادة ووسائلها قبيل بدء شهر رمضان المبارك، كالسواك، والعطر، والمصحف، والسجادة، والشرائط، وغير ذلك من المعينات والوسائل، بالإضافة إلى وقاية البيئة الأسرية من التلوث الخلقي، وخاصة الذي تبثه وسائل الإعلام في هذا الشهر الكريم من لغو، وبرامج هابطة.
7 – تركيز الآباء والأمهات – بجانب الإقناع العقلي وتوضيح الأحكام – على ضرب نماذج وأمثلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة والسلف رضوان الله عليهم، وهم الذين أحسنوا العبادة وأتقنوها، ففي ذلك فيض غزير يستقي منه الأطفال، ويستشعرون معه قلة عبادتهم وضعفها، وحاجتهم إلى الارتقاء بأنفسهم في العبادات، كي تليق بجلال المعبود وعظمته.
8 – اعتماد الآباء والأمهات على البيان العملي في تعليم الأطفال والعبادات، فذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع خديجة رضي الله عنها، كما يقول ابن هشام في سيرته: «فتوضأ أمامها، ليريها كيفية الطهور للصلاة».
9 – الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بما يناسب الأطفال.
10 – استخدام الترغيب، وبيان أثر العبادات على الأفراد والمجتمعات في الدنيا والآخرة، وارتياد عدة مساجد لصلاة التراويح والتهجد، وخاصة تلك المساجد النظيفة التي يتميز أئمتها بالأداء المتقن الجميل لتلاوة القرآن الكريم؛ فذلك مصدر جذب، وله تأثيره في القلب والوجدان.