يعد النصف الثاني من شعبان من الأيام التي لها أحكام خاصة، ومن أهم تلك الأحكام حكم تخصيصها بالقيام وبعض العبادات الأخرى.
وكذلك صيام النصف الثاني من شعبان، والفقهاء في هذا منقسمون، فمنهم من يرى حُرمة صيام النصف الثاني من شعبان، لمن لم يكن معتاداً على صيامه، ومنهم من يرى أنه يُكره صيام النصف الثاني من شعبان، ومنهم من يرى جواز صيامه.
وسئل الشيخ ابن باز يرحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، وهو قول النبي ﷺ “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” فقال هو حديث صحيح كما قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر، أو الشهر كله فقد أصاب السنة اه (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 15/385).
وقال الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله في شرح رياض الصالحين (3/394) وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة فقط، كما أخذ بذلك بعض أهل العلم يرحمهم الله إلا من له عادة بصوم، فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان اه.
جمهور الفقهاء
ولكن جمهور الفقهاء كما ينقل الشيخ محمد صالح المنجد عن الإمام ابن حجر يرون أن الحديث ضعيف ولا يصح العمل به، وقالوا إنه يجوز الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان.
وقال قد قال الإمام أحمد وابن معين عن حديث النهي إنه منكر. وقال ابن قدامة ليس هو بمحفوظ. ورأى ابن القيم صحة الحديث، ولم يجد معارضة بينه وبين ما ورد أن النبي ﷺ كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً، أنه يجوز الصيام على من كانت له عادة، أو صام شعبان من أوله.
والعلة في النهي الوارد عن ابتداء النصف الثاني من شعبان بالصيام حتى لا يضعف عن صيام شهر رمضان، أما من صامه من أوله فقد اعتاد الصيام، كما قال الشيخ محمد صالح المنجد.
قيام ليلة النصف ومن الأحكام المتعلقة بالنصف من شعبان قيام ليلة النصف من شعبان، وقد اختلف الفقهاء في حكم تخصيصيها بالقيام والعبادة وبعض الأدعية، فدار الإفتاء المصرية ترى استحباب قيامها ويستندون إلى حديث في سنن ابن ماجه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال قال رسول الله ﷺ “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر”، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أنه مما يعمل به في باب فضائل الأعمال. ونقلوا عن الإمام إسحاق بن راهويه استحباب قيامها جماعة في المسجد، وما نقل عن الإمام الأوزاعي أنه يستحب قيامها لكن دون جماعة بل يقيمها المسلم في بيته.
بينما رأى فريق من العلماء المعاصرين كون قيام ليلة النصف من شعبان بدعة، ولا يجوز تخصيصها بعبادة، ومن هؤلاء الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن جبرين، والشيخ محمد صالح المنجد.
وقد استدلوا على أن تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان بدعة بأنه قد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع.
واقرأ: أطفالنا في رمضان.. سؤال وجواب
صيام آخر يومين
ومن أحكام صيام النصف الثاني من شهر شعبان أنه ينهى عن صيام آخر يوم أو يومين من شعبان، حتى لا يوصل رمضان بشعبان، وقد مال إلى النهي عدد من علماء الأمة ومشايخها، منهم الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر الأسبق، يرحمه الله فيقول قد صح النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، فقد روى الجماعة عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال “لا تَقَدَّموا أي تتقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم”، وقال الترمذي حسن صحيح. ورأى أن العمل على هذا عند أهل العلم، وإن نقل عن جماعة جواز صيامه، ولو صام هذا اليوم كعادة له كأن صادف مثلاً يوم الإثنين وهو متعوِّد صيام يوم الإثنين فهو جازم بنيته، ولذلك كانت صحيحة، فيصح صومه نفلاً إن تبين أنه يوم الثلاثين، كما يصح فرضاً إن تبين أنه أول رمضان وذلك عند الحنفية.
والنهي عن صوم يوم الشك لا يمنع صحَّة صومه عن القضاء قبل دخول شهر رمضان حتى لا تلزم الكفارة مع القضاء إن تأخَّر عن رمضان، وكذلك من نذَر صوم يوم معيَّن فصادَف يوم الشك لا يَحْرُمُ صومه.