إذا لم يكن صحيحاً وحقاً أن يربط شاب له صلاح واستقامة وعناية بالقربات، ككثرة قراءة القرآن، وحظ من قيام الليل، والذكر الدائم، وغير ذلك، وبين ضرورة أن تكون حياته وردية، ومرتاحة ورائعة: دراسته ميسرة، وحصوله على الوظيفة سهل، واتساع تجارته لا شك فيه، وظفره بزوجة رائعة ممتازة لا ريب فيه، وعيش حياة زوجية مثالية،
لأننا نقول له: لا علاقة بين الأمرين، فصلاحك واستقامتك وتقربك لمولاك، هذا شيء بينك وبين ربك، والوعد بينكما هو الجنة مهما كنتَ مخلصاً ومتَّ على ذلك، أما مسألة العيش والحياة وتيسر كل شيء لك، فهذا شيء تتدخل فيه اعتبارات السنن الإلهية في المجتمعات، ومدى ما تبذل من الجهد، وما معك من المعرفة بتلك الشؤون كلها،
وفوق ذلك، لك عبرة بالأنبياء عليهم السلام وبالصحابة وجمهور أهل الفضل والزهد والعلم عبر التاريخ، فكل هؤلاء لم تكن حياتهم مثالية، ولا وردية، بل كانوا يتعرضون لما يتعرض له الناس جميعاً، من بلاء ومصائب وفقر ومرض وغير ذلك، لأن هذه هي طبيعة الحياة الدنيا، فهي دار ممر وليست دار مقر، ودار تكليف وبلاء لا دار ثواب وهناء،
أقول، كما أن ظن هذا الشاب خطأ شرعاً وواقعاً، فكذلك ظن الفتاة ذات الصلاح والاستقامة والجمال والحياء، حين تربط بين ذلك كله وبين ضرورة أن تتزوج في عز الشباب، وتحظى بزوج رائع، ورجل ممتاز، وحياة زوجية وأسرية مستقرة وسعيدة، لأننا نقول لها بأن لا علاقة بين الأمرين، فصلاحك واستقامتك بينك وبين خالقك وأجرك على ذلك في الآخرة، أما في الدنيا فالأمر مختلف، فأنت ستتعرضين لما يتعرض له البشر، وستخضعين لسنن الله ﷻ في حياة البشر، وستتأثرين بطبيعة الواقع الذي تعيشين فيه. والزواج جزء من الحياة، والحياة كما قلنا تحكمها مجموعة من الاعتبارات، فاحذري أن تعاملي ربك سبحانه معاملة المعاوضة: أكون صالحة لكي تيسر لي زوجا وحياة زوجية وأسرية سعيدة، فقد وجدنا في تراجم النساء قديما عالمات وفضليات وعابدات عشن عانسات وقد بلغن الستين والثمانين عاما.
بقلم: نورالدين قوطيط