إنه لأمر جلل، وهو الإصلاح بين الناس؛ فمَن مِنَّا لا يلاحظ ما يدور في نطاق بلدته أو منطقته أو الحي الذي يسكن فيه أو حتى خلاف العائلات مع بعضهم البعض، والجيران، وسكان المبنى الواحد، بل وأفراد الأُسرَة الواحدة! لقد شاع الأمر بشكل بشع؛ حتَّى أن الناس أصبحوا ينتظرون الذلات لبعضهم البعض، ينتظرون أي هفوةٍ أو شائِبةٍ أو سوء فهم كي يتقاطعوا ويتناحروا ويتدابروا.. فهل تعتقد -أخي الخطيب- أن موضوع هذه الخطبة يحتمل الانتظار؟
إذا كانت جوابك “لا”؛ فأنا من جانبي سأضع بين يديك الآن خطبة الجمعة هذه، والتي أعتقد أنها ستكون كافية وافية -بعون الله ﷻ-.
مقدمة الخطبة
الحمدُ للهِ الذِي أمرَ بالإصلاحِ، ونَهَى عَنِ الفَسَادِ وذَمَّ المُفْسِدِينَ وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ القائل ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائل ﴿ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس﴾ متفق عليه، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عليه، وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي أولاً بتقوَى اللهِ ﷻ فِي السِّرِّ والعلنِ ﴿ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾.
الخطبة الأولى
عباد الله: من الأخلاق الرَّامِية للمحبة والتأَّلف والتَّأخي، خلق نبيل لا غِنَا للأمة عنه، به تقوية الروابط وتماسكها، به سيادة الأمة وتألقها، به زَرعُ الرَّاحَةِ والطُّمَأنينة وَفُشُوِّهَا، به حَلُّ الفتن والنزاعات ودِفْعِهَا: خُلُقُ الإصلاح بين الناس.
والصُّلحُ: عُقَدٌ يتوصل به إلى رفع النزاع وقطع الخصومات، أمرَنَا الله ﷻ به فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ أي: بين كل مسلمين تخاصما ” تفسير القرطبي، كما أمرا بالإصلاح بين الطائفتين المؤمنتين المتخاصمتين فقال: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات، وقال ﷺ: ﴿الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً﴾ رواه أبوداود. ولنا المثل الأعلى في رسول الله ﷺ خير من صالح وأصلح: ﴿بَلَغَهُ أن قبيلة بَنِي عمرو بنِ عوفٍ كان بينهم شَرٌّ، فخرج ﷺ يصلح بينهم في أناس معه﴾ متفق عليه
إيها المسلون: إن للإصْلَاحِ بَين الناس ثَوابًا عَظِيمًا، فَازَ به المُصلحون، يقول الله ﷻ: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُم﴾ يعني: كلام الناس ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ أي: بين المتخاصمين ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ 1 “مخلصا محتسبا ثواب ذلك عند الله ﷻ،” تفسيرابن كثير. ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء 114،” أي: ثوابا جزيلا وهو الجنة ” صفوة التفاسير.
وعُدَّ الإصلاح صدقة، قال ﷺ: ﴿تعدل بين الإثنين صدقة﴾ الصحيحين، وقد رخص الشارع بالكذب في الإصلاح بين الناس، عن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ﴿ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا﴾ متفق عليه.
إيها الناس: حَالُنَا اليوم مبكي، جراء ما نعانيه من القطيعة والبغضاء والتدابر والشحناء، تجد الأخوين في البيت الواحد بينهما نزاعاتِ وتشاجر، فالأب لا يكلم ابنه، والأخ لا يأكل مع أخيه، والبِنتُ مُعَادِيَة لأمها، ويلتقي الاثنان في الشارع فيعرض هذا ويعرض هذا، ويَأبَآ أن يُسَلِّمَ أحدُهُمَا على الأخر، ونسينا قول النبي ﷺ: ﴿لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأُ بالسلام﴾.
أيّها المؤمنون: إنَّ للصُّلحِ آدابًا ينبغي مراعاتها، لكي نَحْصُدَ الثمرة المرجوة منه، فعلى المصلح أنْ يتقِّ الله في دعواه، وينبغِي التأني والحكمة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، بِأُسلُوبِ الرفق واللين ﴿إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف﴾ وعلى المصلح أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر، والانصاف بالعدل بين المتخاصمين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات، والتفاؤلُ وترك التَّعَجُّلٍ والتَّسَرِّعُ واليأس، مع تقديرِ المحقّ وتأييدِه، وتنبيهِ المخطِئ وتقويمه.
وإذا جاءك أخاك مُسْتَسْمِحاً فاسْمَح لُهُ، ﴿فَمَنْ عَفَى وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله﴾ سامح أخاك إذا زلت به قدم: فقلما يسلم المرء من الزلل.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم، على نبينا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه والتابعين.
إيها المسلمون: عليك بالإصلاح ثم الإصلاح، فالصلح لا يأتي إلا بخيرِ، مصداقا لقوله ﷻ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ النساء،” خير من الفرقة والنشوز والإعراض ” تفسير الجلالين.
فاسعوا في الصلح بين الناس، سواء كان بين الزوجين، أو الأخوين، أو القبائل والعروش، أو بين الفئتين الباغيتين، قَدْرَ جُهْدِكُم تفلحوا، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ الأنفال. وعليكم بهذه الوصية النبوية الشريقة، قال عليه الصلاة والسلامُ لأبي أيوب رضي الله عنه: ﴿ألا أدلك على تجارة ؟. قلت بلى يا رسول الله. قال: تسعى في الإصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتُقَارِب بينهم إذا تباعدوا﴾ تفسيرابن كثير.
- الدعاء..
- والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
- الخاتمة.
مقترحات لموضوعات خُطَب جمعة أُخرى..
- ↵ خطبة الجمعة: الحفاظ على الأوطان والحرص على عمارتها
- ↵ خطبة عن التبرج والسفور «مكتوبة»
- ↵ خطبة جمعة مكتوبة ومشكولة.. جاهزة قصيرة عن الكدح
أتمنى أن تنال الخطبة، والمقترحات، رضاك -سيدي الخطيب- وأن تتابعنا لمزيد من الخطب الأُخرى.