كلما مرّت بنا ذكرى احتفالات أكتوبر المجيدة كلما أثارت في قلوبنا وذاكرتنا مواقف ولمحات من التاريخ، حدثت في ذلك العهد البعيد ولكنا نذكرها، نذكر الخائن والمندس والمخرب، نذكر جيدًا من خذل مصر وتخاذل عنها، ونذكر الصفعات التي تلقتها مصرنا الحبيبة من أعدائها، ونذكر أيضًا كل ذي مروءة وكل ذي معروف وفضل، نذكر وقفة بعض أشقائنا ومساندتهم لمصر في حربها، ونذكر ذلك التضامن الذي أضفى رونقه وبريقه على الصورة العربية، نذكر مساندة المملكة العربية السعودية، ومروءة الإمارات العربية وكرم الجمهورية العراقية الشقيقة.
وإحقاقٌا للحق واعترافًا بالفضل فسيدور حديثنا اليوم عن فضل العراق وموقفها الرائع من مصر أبان حرب السادس من أكتوبر، ودورها العظيم الذي توج معاني الأخوة واللحمة العربية، وأرسى قيم إعلاء المصالح العامة للأوطان على الخلافات السياسية أو الاختلاف في الرؤى، موقف يستحق أن يدرس للأجيال التي تاهت في غيابات الفرقة والتشرذم والاختلاف.
موقف صدام حسين من الرئيس محمد أنو السادات
كان صدام حسين نائب رئيس العراق بالتزامن مع الوقت الذي تولى فيه السادات رئاسة مصر، وبعد تنفيذ السادات لمبادرته التي تقضي باتفاقية كامب ديفيد أظهر صدام حسين عداء كبيرًا له ورفضًا لسياسته، ولكن حين أرسلت مصر من يطلب مساندة العراق لها في حربها ضد اسرائيل لم يؤثر هذا العداء على موقف العراق من السادات ولم يثنيه عن دعم مصر.
كيف ساند العراق مصر وما دوره في حرب أكتوبر
قبل البدء في اطلاق النار وتحديدا عام 1973 توجه الأمين العام المساعد للشئون العسكرية آنذاك وهو سعد الدين الشاذلي ليلتقي برئيس العراق حمد حسن البكر، ويطرح عليه التعاون مع مصر في حربها ضد الصهاينة وارسال قوات عراقية للانضمام إلى صفوف المقاتلين المصرين، ولكن السياسة العراقية أبدت تحفظًا على ارسال جيش عراقي إلى مصر قبل البدء الفعلي للحرب، ولكن لم يكن هذا ليمنع العراق من مساندة مصر التي وصلت إلى حد المشاركة واتخذت عدة صور.
أظهرت العراق رغبتها في امداد مصر بسربين من طائرات الهوكر هنتر، بعد تجديدها وصيانتها، وبالفعل تم الإرسال عقب زيارة رئيس أركان القوات المسلحة العراقية إلى مصر، وكان ذلك في مارس 1973، وكان مجموع الطائرات الهنتر التي وصلت مصر واستقرت في مطار قويسنا بالمنوفية حوالي 20 طائرة.
فضلًا عن ذلك فقد عمدت العراق إلى وضع ما قدره 7 ملايين جنيها استرلينيا في حساب باسم الحكومة المصرية في لندن لتستعين به في توفير ما تحتاجه من المؤن والمعدات، لتبرز أعلى مستويات المشاركة والدعم في 7 أكتوبر حين أعلنت العراق مشاركتها رسميًا في الحرب مع مصر وسوريا، فأرسلت عدد من القوات التي بلغت ثمانية عشر ألف جنديًا عراقيًا، و400 دبابة، فضلًا عن ارسال سربين من طائرات سوخوي وسرب ميج 21 وجعلتهم تحت تصرف سوريا.
ومن المواقف الرائعة التي وقفتها العراق مع مصر أنها حين قام الاتحاد السوفييتي بحظر الأسلحة عن مصر، وقد كانت تلك الأسلحة تشمل صواريخ أرض أرض التي يقوم عليها الاعتماد الأكبر للمصرين، فقد أرسلت العراق عددا من تلك الصواريخ مجانًا، لتطوق عنق مصر بكرم وفضل لا ينسى.
أما عن دور العراق المباشر في القتال فيتمثل في مشاركته مباشرة في الضربة الجوية الأولى حيث كانت الطائرات العراقية تتحرك جنبًا إلى جنب مع الطائرات المصرية، وقد شارك العراق في تثبيت العدو وتوجيه ضربات مضادة ومنعه من تقدم الهجوم شرقا، كما حال بين العدو بين الاتصال بكتيبة مظلاته التي نزلت في منطقة العديسة، وبناء على ما صرح به الرئيس السادات فقد قاتلت العراق لمدة عشرة أيام كاملة من الحرب.