لَم يكُن من الصَّعبِ على كُل مُسلِمٍ أن يقتنص الحكمة من حادثة الإسراء والمعراج التي بمثابة علامة بارِزةً في التاريخ الإسلامي. بل وأن يقتنص منها الدروس المستفادة والمواعِظ والعِبَر. فهذا الكون خلقه الله، وهذه الدنيا جعلها الله -تعالى- دار امتحان. ولابد في هذه الدنيا، من حكمة الله وحنانه ولطفه بخلقه، أن أراهم من الآيات ما يذكرهم بقضية وجوده.
الحكمة من حادثة الإسراء والمعراج
أرسل الرسل، وأنزل -تعالى- عليهم الكتب.
فالدنيا في رتابتها وماديتها، سهلٌ أن أن ينسى الناس ما هم فيه، حقيقة وجودهم، من أين أتوا، لماذا هم هنا، إلى أين يسيرون..
هذه الأسئلة التي تضعُ أيدي العقلاء على أن الدنيا زائلة، وأننا هنا لتحقيق مُراد الله، لابد لها من تذكرة.
هذه الآيات التي جعلها الله في الكون، التي أجراها على أيدي رسله وأنبيائه، هي الحقيقة إيقاظٌ للناس، تعلقٌ للقلوب بعلام الغيوب، محطاتُ امتحان.
- ليظهر الصديق الأكبر عندما يقول “إن كان قال ذلك فقد صدق”.
- ليظهر أن قدرة الله فوق الشك والتهم.
- ليظهر أن بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى.
ولذلك جاءت هذه الحادثة عقب أن آذى المشركون حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطائف. حتى أغروا صبيانهم وسفهاءهم ليرموه بالحجارة، ويُدموا قدميه الشريفتين.
فلما رأى الحالة، وهو يأتيهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لينقذهم من النار.. ويفعلون به هذا! فاشتكى إلى الله عز وجل في حديث الشكوى المشهور الذي من قرأه يشعر بمشكاة النبوّة، وبتعلق العبد بمولاه الكريم “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس..” إلى آخر الحديث.
رسائل للنبي ﷺ وللمسلمين
جاءت حادثة الإسراء والمعراج عقب ذلك، وعقب وفاة السيدة خديجة، ووفاة أبي طالب عَمّ النبي عليه الصلاة والسلام.
- تأتي بهدف تسلية قلب الحبيب.
- لتكون أكبر رسالة على أنه إن لم تسعكَ الأرض فليسعك الكون كله.
هذه الرحلة هي رسالة على أن الله عز وجل الذي أرسلك قادرٌ على أن يمحق هؤلاء في لحظة، وإنما هي سنة الله في الكون، من الصبر والدعوة والتحمل حتى ظهر هذا الدين وعمَّ المشرق والمغرب ودخل كل بيت بقدرة الله وحده، لا بقدرة أحد.
جاءت ليلة الإسراء والمعراج لتبين الترابط بين المقدسات. فقد وُلِد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، وهاجر إلى المدينة، لتكون مثواه ومدفنه ومُستقرَّه.
وذهب إلى بيت المقدس إلى المسجد الأقصى ليكون الإسلام شاهدًا على أن هذه المقدسات كلها ينبغي أن يُحرَص عليها وأن تعظَّم بتعظيم الله عز وجل لها، وأن الإسلام نسقٌ مفتوح، يستوعب الأديان كلها وكذلك الثقافات. فان بيت المقدس محل أكثر الأنبياء.