وبمناسبة عيد الأم؛ نحكي عن البِر. يوم أن نرى أمهاتنا وقد خُلقنا -بعد عباد الله- أن نكون أبواب الرضا والسعادة والفرح لهُن؛ وإلا فيُخشى ألا يكون أبناءها من البررة.
راجعوا أنفسكم أيها الأبناء وأيتها البنات وعودوا إلى أقدام الأمهات، فالزموها؛ فثَمّ الجنة. ولا تنتظروا مناسباتٍ عامة وخاصة لكي تتذكروا أمكم بزيارةٍ أو بهديَّة لكي تُبتوا لها أنكم من البررة وأن حبها في قلوبكم.
من أعجب قصص البِر
يحكي الشيخ سعد العتيق -بارك الله فيه- قصة من أعجب القصص في البِر؛ شاب كان هادئ الطبع، سمته جميل، يعلوه الحياء؛ في مطار الملك عبد العزيز الدولي.
وإذا برجلٍ وقور يخرج من المطار يريد أن يذهب إلى البيت الحرام؛ قال فلما رأيتُ وجهه وما فيه من نورٍ وحياء، قال لي: أتريد مشوارا؟ فركبت معه.
فلما ركبنا ابتدأت أسأله: في أي الجامعات تدرس وفي أي التخصصات؟ ففاجئني حين قال إنه يدرس في آخر مستوى في كلية الطب! قلت له: الآداب أم الطب؟ قال: الطب.
فسألتُه عن قصته؛ أبلغت به الحاجة إلى أن يعمل سائقًا لسيارة أجرة؟
قال: قصتي طويلة؛ أنا كنت أدرس الطب في الولايات المتحدة الأمريكية وقد هيّأ لي أبي وأنفق عليَّ دم قلبه؛ وكان دائما يقول لي: الدكتور فلان. وأقول له أسأل الله أن يأتي اليوم الذي أرد لك بعضًا من حقك يا أبي.. ويُكمل الشاب ويسأل الرجل الوقور الذي يركب معه: أتذكر حادثة عبَّارة السلام التي غرقت؟ قال: قلت نعم. قال: ذهب أبي وأمي وأخوتي جميعًا إلا طفلٌ صغير وأخٌ لم يتجاوز العاشرة من عمره؛ وصل إليَّ الخبر وأنا في أمريكا، فما كان مني إلا أن قطعت دراسته بلا تردد -هناك من هاتفني: أمكث وواصل، فما بقي إلا القليل- قلت هذه الساعة التي اختار الله فيها أبي وأسرتي وأمي هي ساعة الوفاء؛ أن أرد لذاك الأب الرحيم بعضًا من حقه، وأن أرعى أيتامه إخواني.
ويُردِف: عُدتُّ ونقلتُ ما بقي من الدراسة إلى الكلية، وابتدأتُ اجمع المال وارع إخواني؛ الصغير والذي أكبر منه، أحنوا عليهم كما يحنوا الأب وتحنوا الأم، وأوقف الدراسة مؤقتا وابتدأتُ أجمع المال.. حتى أتاني صديقٌ من أصدقاء أبي وقال: يا فلان لماذا لا تتزوج حتى ترعى إخوانك؟ فوافق.. فقال: إن فلانًا صاحب والدك قد حجز البنت لك، وهي تحب أن تكون قرينا لها.
قال: فذهبت أخطب، فرحَّب، ثم لما دخلت المجلس للخطبة، فإذا بالمأذون قد أُحضِر دون أن أعلم. فعقد لي، ولما أتي تسمية المبلغ؛ كم المهر؟ على وجهي الحمرة والحياء، فلا أملك شيئًا. قال: يا بني أسألك بالله إلا أن تخرج من جيبك ما فيه. فأخرجت المحفظة ليس فيها إلا ٤٠٠ ريال. قال: هذا مهر ابنتي. ثم التفت المأذون إلي يقول: هل عندك من شروط؟ قلت له: أنا أشترط بعد هذا الكرم؟ قال والدها: نعم؛ لدينا شرطٌ على ابنتي أن ترعى إخوانك.
نعم أيها الأحباب؛ البر ديون ٌفما أجمل من سددها ويا خسارة من تراكمت عليه فواتيرها.