لأول مرة سأتحدث وأعيد الشريط إلى الوراء لأحدثكم عن أمي التي صادقت شيطان، فأواجه نفسي لأُشفى وأشارككم لتصبروا فإن (بعدَ العُسرِ يُسرى).
كانت عائلتي طبيعية؛ أخوة وأخوات وأب وأم، لم تكن حياتنا تخلوا من المشاكل -كأي بيت- أُمي كانت تعمل خياطة، بل كانت أجمل خياطة، وأبي موظف حكومي. لم يكونا على خلاف ولا على اتفاق؛ ما اتفقا عليه فقط هو أنهم سيعيشون معاً لنا فقط، حياة طبيعية، ناجحون دراسياً واجتماعيا.
أبي متكفل بمصاريف البيت وأمي بالكماليات؛ كانت تحبنا كثيراً، نعم… كانت.
كُنا سعيدين، لم يكن ينقصنا شيء، وهذه المشكلة؛ عندما لا ينقصنا شيء وينقصهم كل شيء… يستحقون وسام بالتضحية.
وبعد أكثر من عشرين سنة على حالنا، أبناء سعيدين ووالدان تعساء؛ لك أن تتخيل سيدة تجلس ٢٠ سنة خلف ماكينة، ورجل يعمل ٢٠ سنة في نفس المكان. آه والداي فهما التضحية بشكل خطأ لأنهم عندما طفح الكيل ضحوا فينا.
لكن أشخاصا كثير كانوا يحسدونا ومنهم ذلك الشيطان… لا تنتظروا مني أن أخبركم كيف تسلل إلى حياة أمي، لأني عجزت أن أفهم فجأة شاب بسن أبنائها صار صديقها.
هو لم يكن على علاقة بها –استغفر الله– فقط صداقة، كأنه يعاني عقدة، وأمي تعاني الوحدة أمام الناس.
أبي لم يهتم؛ أمي في عالم آخر، الناس بدأت تتحدث، ونحن الله يعلم بحالنا؛ لم يدق بابنا عرسان وأقرباء وأحباء؛ وأمي كالعمياء.
أذكر مرة كنت عائدة من الجامعة معي صديقتي، مرت أمي وصديقها بالسيارة، نظرت صديقتي إليّ، لم تقل شيء، تمنيتها تقول كي أضربها؛ ظلت صامتة.
وصلتُ إلى البيت وبكيت بكاء لم أبكه من قبل.
لم أكن أتقبل فكرة الصداقة بين الرجل والمرأة مع أنها صارت طبيعية في هذا الزمن، كنت أجزم أن بيوتاً تُهدَم بسببها.
هذا الشيطان كان له غاية، وهي تدمير بيتنا تماماً كأنه في مُهِمَّة، وبدأ شيئًا فَشَيئاً ينخر كالسوس في عقل أمي، صارَ يشككها حتى في أبنائها؛ وصارت صراعاتنا معها لا تنتهي.
كل ما بنته فينَا قد دَمَّرْته وصَارَ هو الصادق الأمين.
كانت أُمي هشة، لذلك استطاع النخر فينا حتى صار فينا من الشجاعة ما جعلنا نشتكي لإخوتها، هذه القشة التي قسمت رأس البعير.
إخوتها ضربوه.. وتفاصيل كثيرة مؤلمة -لم أذكرها-؛ هنا قرر الطلاق وهي فرحت كثيراً، كانت كالمسحورة؛ وعندما طلقها زغردت.
ما بِها غير طبيعي.
بقينا مع أبي وهي تركت أهلها وعاشت وحدها -وهذا عيب عندنا-، أنا رزقني ربي بالزواج. وبعض إخوتي ظروفهم كانت سيئة، لأن أبناء المطلقة ضحايا أمهم.
أبي تعيس كأنه كان يحبها، وهي مرة نسمع أنها تزوجت ومرة لا… أنا لا أسأل عنها أبداً لأني سأخسر بيتي وأولادي ونفسي أن فعلت…