أنا أُصلي على النبي بالصيغة: اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد. هل هكذا ثوابي كامل وتصِل صلاتي إلى سيدنا محمد ويُصلي عليّ الله -سبحانه- كما ذكر في الاحاديث؛ أم يجب عليّ أن أصلي الصلاة الإبراهيمية كي أنال هذا الأجر الثواب؟!
الـجـــواب
يصح الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصيغة، ويمكنك الصلاة بأي صيغة مناسبة لمقام سيدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإليك التفصيل:
أولا
أقل صيغ الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم-: اللهم صل على سيدنا محمد، ويستحب زيادة السلام والصلاة على الآل، فتقول: ( اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا)، ويجوز لك الإكثار من صيغة الصلاة التي تقال في التشهد.
قال الإمام النووي في “رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين” (ص395): [باب فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم]:
- قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56].
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا” رواه مسلم.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة “رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
- وعن أوس بن أوس، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي” فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟، يقول: بليت، قال: “إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء“. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي” رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم” رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام“. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- – وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي“. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- – وعن فضالة بن عبيد، رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجل هذا“، ثم دعاه فقال له أو لغيره: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء“. رواه أبو داود والترمذي وقالا: حديث حسن صحيح.
- وعن أبي محمد كعب بن عجرة، رضي الله عنه، قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: “قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد“. متفق عليه.
- وعن أبي مسعود البدري، رضي الله عنه، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في مجلس سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولوا: “اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم ” أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه.
- وعن أبي حميد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: “قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد” متفق عليه].
كما يجوز الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة بالصيغة الإبراهيمية وغيرها.
قال العلامة الدردير في “الشرح الصغير” (1/ 320، ط/ دار المعارف): [(و) تاسعها (الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد) التشهد (الأخير) بأي لفظ كان].
ثانيا:
يستحب ذكر السيادة عند ذكر اسمه -صلى الله عليه وسلم- وقد علمنا الله تعالى الأدب مع سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- حين خاطب جميع النبيين بأسمائهم أما هو فلم يخاطبه باسمه مجردا بل قال له: ﴿يا أيها الرسول﴾، ﴿يا أيها النبي﴾، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال: ﴿إنآ أرسلنك شٰهدا ومبشرا ونذيرا | لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا﴾ الفتح: 8- 9، ومن توقيره تسويده كما قال السدي فيما ذكره القرطبي في تفسيره.
وقال قتادة: “أمر الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه” أخرجه عبد بن حميد وابن جرير الطبري في التفسير، ونهانا أن نخاطبه -صلى الله عليه وآله وسلم- كما يخاطب بعضنا بعضا، فقال سبحانه: ﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾ النور: 63، قال قتادة: “أمر الله -عز وجل- أن يهاب نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود” أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير، فكان حقا علينا أن نمتثل لأمر الله، وأن نتعلم مع حب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأدب معه، ومن الأدب معه أن نسوده كلما ذكر، وأن نصلي عليه كلما ذكر، وألا نخاطبه باسمه مجردا عن الإجلال والتبجيل.
ولا فرق بين النداء والذكر في ذلك؛ فكما يشرع استعمال الأدب والتوقير والتعظيم عند دعائه -صلى الله عليه وآله وسلم- يشرع كذلك عند ذكر اسمه -صلى الله عليه وآله وسلم- والصلاة عليه من غير فرق؛ لوجود العلة في كلا الأمرين، وهي النهي عن مساواته بغيره من المخلوقين، وذلك حاصل في الذكر كما هو حاصل في الخطاب والنداء، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
وقد أجمعت الأمة على ثبوت السيادة للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعلى علميته في السيادة، قال الشرقاوي: “فلفظ “سيدنا” علم عليه –صلى الله عليه وآله وسلم-“، وأما ما شذ به البعض للتمسك بظاهر بعض الأحاديث متوهمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يعتد به، ولذلك أجمع العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف -صلى الله عليه وآله وسلم- بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبد بها من قبل الشرع، كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية، والله أعلم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية.