لماذا قال الله -تعالى- في القرآن الكريم عندما جاء سيدنا يوسف الى مصر (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) ولم يقل مكنا له في مصر؟ و لماذا قال الله -جل وعلا- على لسان سيدنا يوسف (اجعلني على خزائن الأرض) ولم يقل على خزائن مصر؟!
الـجـــواب
١- المقصود بذلك مصر ولكن تم حذف مصر، وأتى بأل للعهد الذكري؛ حيث إنها مذكورة سابقا في قوله -تعالى-: {وقال الذي اشتراه من مصر} [يوسف: ٢١].
قال الإمام الرازي في “مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير” (١٨/ ٤٧٣، ط/ دار إحياء التراث العربي): [فقال يوسف: اجعلني على خزائن الأرض أي على خزائن أرض مصر وأدخل الألف واللام على الأرض، والمراد منه المعهود السابق].
وقال الإمام مقاتل بن سليمان في “تفسيره” (٢/ ٣٢٧، ط/ دار إحياء التراث – بيروت): [وكذلك مكنا ليوسف في الأرض الملك والسلطان في أرض مصر ولنعلمه من تأويل الأحاديث يعني من تعبير الرؤيا والله غالب على أمره يعني والله متم ليوسف أمره الذي هو كائن مما لا يعلمه الناس فذلك قوله: ولكن أكثر الناس لا يعلمون].
وقال الإمام الطبري في “جامع البيان” (١٦/ ١٥١، ط/ مؤسسة الرسالة): [قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهكذا وطأنا ليوسف في الأرض يعني أرض مصر (يتبوأ منها حيث يشاء)].
٢- وأما الحكمة من ذكر مصر في القرآن الكريم بالأرض، فالحكمة من ذلك واضحة من كلام المؤرخين، بأنها غوث العباد وخزائنها.
جاء في “تاريخ ابن يونس المصرى” (١/ ٥١٨، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت): [عن أبى بصرة الغفارى (رضى الله عنه) ، قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، ألا ترى إلى قول يوسف (عليه السلام) لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض، ففعل، فأغيث بمصر، وخزائنها- يومئذ- كل حاضر، وباد من جميع الأرض. وقال (تعالى) : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. فكان ليوسف- بسلطانه بمصر- جميع سلطان الأرض كلها؛ لحاجتهم إليه، وإلى ما تحت يديه].
وقال الكندي في “فضائل مصر المحروسة” (ص: ٥٠): [وأما ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها، فروى أبو بصرة الغفاري قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام.
“قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”.
ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض.
وجعلها الله تعالى متوسطة الدنيا، وهي في الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حر الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس والسابع، فطاب هواؤها، ونقي جوها وضعف حرها، وخف بردها، وسلم أهلها من مشاتي الجبال، ومصائف عمان، وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة، وجرب اليمن، وطواعين الشام، وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين، وحمى خيبر، وأمنوا من غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكائد الديلم، وسرايا القرامطة، وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزقها؛ وقرب تصرفها، فكثر خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد. وذكر أن مصر مصورة في كتب الأوائل، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
وأجمع أهل المعرفة: أن أهل الدنيا مضطرون إلى مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق بها، وأهلها لا يطلبون الرزق في غيرها، ولا يسافرون إلى بلد سواها، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا]، والله أعلم.
وهنا تقرأ أيضًا عن شروط التوبة الأربعة — ووصايا للعصاة والمذنبون
المصدر: دار الإفتاء المصرية