السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ كيف يتم دفن الموتى؟ وهل تكفين الميت بأثواب ملونة جائز؟ وهل يجوز وضع الأغراض الشخصية مع الميت (كالمصحف و السبحة و غيرهما)؟ شكر الله لكم.
الجواب
أولا: من المقرر شرعاً أن دفن الميت فيه تكريم للإنسان ، لقوله تعالي في معرض الامتنان (ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا) المرسلات ٢٥-٢٦، وقد حث الإسلام عليه ، وأجمع المسلمون علي أن دفن الميت ومواراة بدنه فرض كفاية ، إذا قام به بعض منهم أو من غيرهم سقط عن الباقين.
والمأثور في كيفية دفن الميت أنه بعد دخوله القبر يوضع علي شقة الأيمن ، ويوجه وجهة إلي القبلة ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة ، وعليه فيحرم وضعه علي خلاف ذلك ، كوضع رجله للقبلة، كما هو الشائع خطأ عند كثير ممن يدفن في هذا الزمان.
ويدخل بالميت من فتحة القبر بحيث يدفن تجاه القبلة مباشرة من غير حاجة إلي الدوران به داخل القبر ، وذلك حسب فتحة القبر ، إذا المطلوب شرعاً هو وضع الميت في قبره علي شقة الأيمن وتوجيه وجهة للقبلة كما سبق ، ولا يضر أن يكون الدفن علي الرمل أو التراب ، فكل ذلك جائر.
والمطلوب في القبر الشرعي الذي يصلح لدفن الميت: هو حفرة تواريه وتحفظه من الاعتداء عليه وتستره وتكتم رائحته ، والأصل أن يكون ذلك شق أو لحد.
فأما الشق: فيكون بأن يعمق في الأرض محل الدفن علي قدر قامة الإنسان العادي الذي يرفع يده فوقه -أي مترين وربع المتر تقريباً- ثم يحفر في أرضها علي قدر وضع الميت علي جنبه بطوله ، بحيث يكون علي جنبه الأيمن ، وصدره للقبلة كما سبق بيانه، ثم يوسد في قبره ويده لجنبه ، ثم توضع اللبنات أو الحجارة فوق الشق ، ثم يخرج الحافر ثم يهال عليه التراب.
وأما للحد : فيكون بأن يقوم الوقف داخل الحفرة المعمقة في الأرض بالحفر في أحد جانبي القبر مكاناً يسمح بدفن الميت فيه علي بعد ثلثي طوله من الأرض ، ويعمقه بحيث يمكن إرقاد الميت فيه علي الهيئة السابقة ، ثم يغطي الجانب المفتوح باللبن أو الحجارة ، ثم يخرج الحافر ويهيل التراب.
وهاتان الطريقتان إنما تصلحان في الأرض الصلبة ، فإن لم يصلح الدفن بذلك -كما هو الحال في مصر وغيرها من البلاد ذات الطبيعة الأرضية الرخوة- فلا مانع من أن يكون الدفن بطريقة أخري بشرط أن تحقق المطلوب المذكور في القبر الشرعي.
وهذا هو الذي دعا أهل مصر للجوء إلي الدفن الفساقي منذ قرون طويلة ، لأن أرض مصر رخوة تكثر فيها المياه الجوفية ، ولا تصلح فيها طريقة الشق أو اللحد ، ولا حرج في ذلك شرعاً كما نص عليه الأئمة الفقهاء من متأخري الشافعية وغيرهم.
ثانيا: وتكفين الميت في أي لون جائز ولا شيء فيه، وإن كان المستحب أن يكون الكفن أبيض اللون، ما فعلوه جائز ، ولا شيء فيه، ولا بأس بتحسين كفن الميت، وأن يكون مما عهد الميت لبسه في حياته من حيث القيمة والمستوى، والكفن أبيض مستحب ، وليس بواجب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم” [أخرجه أبو داود] والكفن هو غطاء أو ستر يستر بدن المتوفى. وقد اتفق الفقهاء على أن تكفين الميت بما يستره فرض على الكفاية.
فالميت يكفن – بعد طهره – بشيء من جنس ما يجوز له لبسه في حال الحياة ، فيكفن في الجائز من اللباس.
ويحرم التكفين بالجلود لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزع الجلود عن الشهداء ، وأن يدفنوا في ثيابهم.
ويستحب تحسين الكفن عند الحنفية والمالكية بأن يكفن في ملبوس مثله في الجمع والأعياد ما لم يوص بأدنى منه ، فتتبع وصيته ، لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ” [أخرجه مسلم في صحيحه].
وأقل الكفن ثوب يستر البدن، والسنة للرجل ثلاثة أثواب : إزار وقميص ولفافة ، والقميص من أصل العنق إلى القدمين بلا أكمام.
والإزار للميت من أعلى الرأس إلى القدم بخلاف إزار الحي واللفافة كذلك.
المرأة في خمسة أثواب : قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها ، لحديث أم ليلى بنت قانف الثقفية ” أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول اللواتي غسلن ابنته في كفنها ثوبا ثوبا حتى ناولهن خمسة أثواب ” [رواه أبو داود]، ولأنها تخرج فيها حالة الحياة ، فكذا بعد الممات.
ثالثا: دفن المصحف مع الميت وغير ذلك من الأغراض المستعملة في العبادة لا يجوز، وذلك لعدة أمور:
- الأول: أن فيه امتهاناً للقرآن بدفنه في الأرض لغير حاجة، وقد يأتي زمان يداس فيه القبر بالأقدام والقرآن فيه.
- الثاني: أن القرآن سيتلطخ بصديد الميت وهذا حرام قطعاً.
- الثالث: أن فيه إتلافاً لما ينتفع به الأحياء، حيث إن الأحياء يمكن أن ينتفعوا بهذا القرآن بالقراءة أو غيرها.
قال الإمام الحطاب المالكي في “مواهب الجليل” (١/ ٣٠٤): [قال البرزلي وسئل ابن زيادة – رحمه الله تعالى – عمن أوصى أن يجعل في أكفانه ختمة قرآن أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة هل تنفذ وصيته أم لا؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ويخرج أم لا؟ فأجاب: لا أرى تنفيذ وصيته وتجل أسماء الله تعالى عن الصديد والنجاسة فإن فات فأمر الأدعية خفيف والختمة يجب أن تنبش وتخرج إذا طمع في المنفعة بها وأمن من كشف جسد الميت ومضرته والاطلاع على عورته].
وقال الدسوقي المالكي في “حاشيته (١/ ٤٢٥): [وأما كتابة ورقة ذكرا ودعاء وتعليقها في عنق الميت فحرام ويجب إخراجها إن لم يطل الأمر وأما المصحف فيجب إخراجه مطلقا]، وبناء عليه فلا يجوز تنفيذ هذه الوصية المشار إليها في السؤال.
المصدر: دار الإفتاء المصرية.
لك أيضًا: تعريف السمسرة وحكمها وحكم مهنة السمسار