إن حقوق وواجبات الوطن على أبنائه يا صديقي يكون بأمور كثيرة لا تُعَد ولا تحصى. نذكر على سبيل الإيجاز والاختصار أهم هذه الأشياء.
فأول أمر ينبغي على العبد أن يقوم به للمشاركة في بناء وطنه أن يقوم بالوظيفة التي خلقه الله ﷻ من أجلها. فهذا أعظم شيءٍ في العالم. يقوم به العبد نحو نفسه، ونحو وطنه. وهو أفضل شيءٍ في حياته. أن يقوم بالوظيفة التي خلقه الله ﷻ من أجلها.
قال ﷻ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾. وتمعَّن هنا معاذ -رضي الله عنه- الذي كان رديف النبي ﷺ على حمار. يقول النبي ﷺ «يا معاذ. أتدري ما حق الله على العباد؟» قال: الله ورسوله أعلم يا رسول الله. قال «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا».
فقد كان النبي ﷺ لا يسكت عن بيان التوحيد أبدا. وكان ﷺ يداوم على الدعوة إليه. وعلى تذكير الناس به.
والله ﷻ أرسَل الرسل وأنزل الكتب للقيام بهذا الأصل الذي لا يتقدم عليه غيره. فكل الأنبياء وكل الرسل دعوا أقوامهم ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾، ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾. فمن استجاب من أقوامِهم نصره الله ﷻ وأعزه وأيده. ومن خالفهم وأعرض عن دعوتهم أهلكه الله ﷻ وأخذه أخذ عزيز مقتدر.
فأول أمر ينبغي على العبد أن يتفطن إليه. إن يقوم بالوظيفة التي خلقه الله من أجلها. وليعلَم علم اليقين أن الله ﷻ ما خلقه إلا لهذا. وليعلم علم اليقين أن هذا هو حقُّ الله رب العالمين عليه.
فالأمن في الأوطان، والنعيم والرخاء، والسعادة والفوز والهناء؛ لا يكون إلا في القُرب من الله رب العالمين.
كذلك الأمور التي ينبغي على الإنسان أن يعتني بها، أن يتبع رسول الله ﷺ. لأن الله -عز وجل- ما أرسله إلا ليُطَاع. وما بعثه الله ﷻ إلا ليُتَّبع. فكلام النبي ﷺ وحي، وفِعل النبي ﷺ تشريع. وما يحدث في العالم من فتن ومحن وبلاء؛ إنما هو بسبب مخالفة رسول الله ﷺ. ولو أن الناس جميعًا أطاعوا النبي ﷺ ظاهرًا وباطِنا، ما وُجِدَ في الدنيا شر قط.
إنما يوجد الشَّر ويوجد البلاء على قدر مخالفة الناس لما جاء به رسول الله ﷺ.
ولقد حذرنا ربنا ﷻ من مخالفة النبي ﷺ. قال ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. هذا تحذير من رب العالمين.
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ يعني عن أمر النبي ﷺ، عن شريعته، عن طريقته، عن منهاجه، عن سنته. ﴿أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ يعني في قلوبهم؛ من كفرٍ أو نفاق أو بدعة. ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ إما بقتل وأما بحبس وإما بعذاب أليم في الآخرة، بشؤم مخالفة النبي ﷺ.
ولِم لا؟ وهو الذي قال فيما ثبت عنه «وجعل الذل و الصغار على من خالف أمري». فإذا خالف الناس أمر رسول الله ﷺ، وإذا أعرضوا عما جاء به، وجعلوه خلْف ظهورهم؛ حدث الفتن، ووقعت الفوضى، وجاء الاضطراب، ونزل بهم البلاء.
وتذكر يا صديقي ما كان من شأن الصحابة الكرام في غزوة أحد، لما خالفوا أمرا لرسول الله ﷺ. وكانت المخالفة عن غير قصد وعمد. فلما جاء البلاء، عَمّ الجميع من خالف ومن لم يخالف. وجاءت الحسرة، ووقعت الكسرة. وكاد النبي ﷺ أن يُقتَل. وقُتِل خيرة أصحاب النبي ﷺ بمخالفة واحدة.
ولكنها سنن الله ﷻ، لا تحابي أحدا ولا تجامل أحدا. حتى ولو كان أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ. حتى ولو كانت الحرب ضد الكفار. حتى ولو كان قائد الميدان هو النبي العدنان ﷺ.
فعلى العبد أن يعتصم بكل ما جاءه عن النبي ﷺ في العقيدة والشريعة والعبادة والأخلاق والسلوك والعمل. فإنه لا نجاة للعالم إلا بالأخذ بما جاء به النبي ﷺ. وأما الإعراض عما جاء به فهو هلاك الأوطان وخراب الديار.
كذلك يا أخي؛ من أفضل ما يقدمه كل مِنا لنفسه ولوطنه أن يحقق الإيمان بالله ﷻ وأن يجتهد في الأعمال الصالحات. فمن جمع بين الأمرين: آمن بربه ﷻ وعمل صالحا. جاءه وعد الله ﷻ.
هذا وعد من الله ﷻ ووعده حق وصدق. لا يخلف الوعد أبدا ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾. لا أحد.
هذا الوعد لمن؟ ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لأن الإيمان عقيدةٌ في القلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح والأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بالسيئات والعصيان.
ولا ترى إيمانا في القرآن المجيد إلا مقرونا بالعمل الصالح. ﴿الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾. لأنها دليلٌ على صدق إيمانهم. فليس الإيمان مجرد اعتقادٍ بالقلب؛ ولا عمل ولا طاعة ولا عبادة. ولو كان الأمر كذلك، ما صلى النبي ﷺ صلاة، ولا فعل معروفا ولا خيرا. لأنه أعرف الناس بالله ﷻ؛ وهو أفضل الناس معرفة وخشية لله رب العالمين. ومع ذلك كان أشد الناس اجتهادا وعبادة لله. لأن العبد كلما ازداد إيمانا ازداد علما وعملا.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾. يجعلهم الله ﷻ سادة في العالمين. يمكنهم رب العالمين من العالم.
وهذه الآية نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكِرام في استضعافٍ ليس كمثله استضعاف. فلما قاموا بحق هذه الآية من الإيمان والعبادة والعمل. مكَّن الله رب العالمين دينهم، وأعلى رايتهم، ونصرهم على أعدائهم، ومكنهم رقاب أعدائهم.
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾. يجعل الله رب العالمين الدين مُمَكنا. ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾. فيكون الناس في أمنٍ وأمان وسلامة واطمئنان؛ إذا حققوا الإيمان بالله رب العالمين وعملوا الصالحات.
وأما إذا لم يكن هناك إيمانٌ ولا عملٌ صالح. ذهب الأمن وجاء الخوف، ووقع البلاء، ونزل الغلاء، وحدث ما لا يُحمَد عقباه.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض﴾.
الإيمان وتقوى الرحمن سبب من أسباب الأمن، وسبب من أسباب البركات. فيحيى المجتمع آمنا مطمئنا، في سعادة ورخاء. يرفع الله ﷻ عنه البلاء. ويسلمه الله رب العالمين من الفِتن والمحن.
فهي أمة عابِدة، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- تابعة، وعلى طريق النبي ثابتة، بربها مؤمنة، على الأعمال الصالحات مقبلة. فهذه أمة ينصرها الله بنصره.
وأما بخلاف ذلك؛ فلا نطلب نصرًا، ولا نبحث عن مجد، ولا نجد عزا، لأن هذه الأوصاف تكون لمن حقق الإيمان بالله ﷻ واتبع رسول الله ظاهرا وباطنا وحقق الإيمان، وأقبل على طاعة الرحمن.