هل يمكنك أن تحدثينا عن موضوع ارتفاع نسبة مرضى السرطان؟
تقول الدكتور سناء السخن “استشارية أمراض الدم والأورام، ورئيسة جمعية أطباء الأورام الأردنية”، أما عن ارتفاع نسبة مرضى السرطان، فأحبّ أن أطمئن الجميع أنّنا لا زلنا بخير. صحيح أن الأرقام تبدو أنّها ازدادت خلال العقد الماضي، ولكن هذا بسبب جهودنا الطيّبة جميعاً في التوعية بأهمية الكشف المبكّر، سواء مؤسّسات خاصة أو عامة. أيضاً بسبب جهود السجل الوطني للسرطان، والذي أفتخر به دائماً وأقول أنّ السجل الوطني للسرطان بالأردن من أكثر السجلات دقة وتطوراً في المنطقة. زيادة الدقة في تسجيل الحالات التي لم تكن موجودة قبل ذلك منذ عشر أو خمسة عشر سنة، وزيادة الوعي بأهمية الكشف المبكّر، وتوجّه الناس للتشخيص، وحرصهم على العلاج، وإيمانهم بالعلاج، أدى كلّ ذلك إلى زيادة عدد الحالات المسجّلة. ولكن إذا لم ننتبه لتأثير تغيّر العادات الصحيّة عندنا، واتّباع الأسلوب الغربي أكثر في حياتنا اليومية، فيُنْتَظَر – حسب توقّعات مؤسّسة الصحة العالميّة WHO – أن تصل نسبة ازدياد السرطان في منطقتنا – منطقة الشرق الأوسط -، والتي تعتبر محظوظةً حالياً؛ حيث تقل فيها نسبة الإصابة عن نصف معدّل الإصابات في العالم الغربي، لا كما يظنّ كثيرٌ من المستمعين، لكن يُنْتَظَر أن تعاني من أكبر نسبة ازدياد في عدد الحالات خلال العقدين القادمين، إذا لم نَعُد إلى أساليب الحياة الصحيّة، ومن هنا تأتي أهميّة اليوم العالمي للسرطان.
ما الإجراءات التي اتخذتموها في الولايات المتّحدة في اليوم العالمي للسرطان، وماذا علينا نحن أن نعمل؟
تابعت “د. سناء”، الحمد لله، بالرغم من قيامي بعمل الـ Training الخاص بي، وتخصّصي كلّه في الولايات المتّحدة الأمريكية، لكنّي فخورة بأنّي أمارس وأعمل وأخدم في بلدي. ولكنّي حافظت على أن أظلّ عضواً في مجلس الشئون العالميّة في الجمعيّة الأمريكيّة للأورام، وفي الجمعية الأوروبيّة للأورام. الجمعيات هناك لا تركّز فقط على الجانب المهني، ففي اليوم العالمي للسرطان، هناك نشاط غير مسبوق سواء من جمعيات مهنيّة أو حتّى جمعيات أخرى، فتهتم بالمرضى بشكل عام، وتركّز على أهميّة الوعي بأهميّة، ليس فقط الكشف المبكّر، وإنّما الوقاية أيضاً من السرطان. من ضمن نشاطاتنا هناك، أنّنا كنّا نكتب وننشر. ففكّرت مباشرةً بأنّنا يجب أن ننقل هذه الفكرة لمجتمعنا، فقبل أن نتكلّم على مستوى القارات، علينا أن نتكلم على مستوى بلدنا. فكانت الفكرة أنّنا بدلاً من أن نتكلّم عن أخبار العلاج وأمل الشفاء، ولكن الكلّ يخاف من التشخيص، حتّى نحن كأطباء لا نحبّ كلمة الحقيقة، ولا نحبّ أن نتكلّم كثيراً عن العلاج، ولكن نحبّ أن نطمئن النّاس، فلا يوجد من يتكلّم عن أهمّيّة الوقاية، فنتكلّم عن الكشف المبكّر، ولا نتكلّم عن الوقاية. نحن نتكلّم عن الوقاية من كل الأمراض، وننسى المرض الذي نخاف منه جميعاً، فلماذا لا نركّز على هذا الموضوع؟ فكانت الفكرة بدايةً هي أن نقوم بعمل نشاطات بمناسبة اليوم العالمي للسرطان لمدّة 3 أو 4 سنين على مستوى عمّان، كلقاء بين أطبّاء متخصّصين، وأهلنا في المجتمع، وحتّى أطبّاء من تخصّصات أخرى. قد نستغرب أنّه حتّى الأطباء من التخصّصات الأخرى، عندهم شكّ أنّه يوجد أمل بهذا المجهود في علاج وشفاء السرطان، وهل يستحقّ عناء العلاج. ولكنّ الفكرة ستتغيّر تدريجيّاً، ولكنّنا نحتاج أن نتكلّم – سواء كمصابين أو كأطباء – أكثر، ونوعّي أكثر، وليس مجرّد لقاء واحد، أو بمناسبة واحدة. بدأنا في 4/2/2015، حيث استضافتنا مؤسّسة شومان، وأذكر أنّهم وقتها استضافونا مشكورين، وكانوا يقولون أنّ هذا ليس موضوعاً ثقافيّاً، وأنّ موضوعاتهم ثقافيّة ولا يتكلّمون عن الطب، فقلنا لهم أنّ لقاءنا سيكون ثقافيّاً، وليس طبيّاً. فأتذكّر وقتها أن الفكرة كانت كيف لنا أن نتحدّث عن السرطان كثقافة، وكانت هذه هي البداية. في العام التالي، استضافتنا مؤسّسة طلال أبو غزالة الثقافية مشكورةً. وبعد ذلك، قرّرنا عمل حملة مستمرّة على مدى العام، تبدأ فعلاً في اليوم العالمي للسرطان، وتستمرّ، ليس فقط على مستوى عمّان، وإنّما على مستوى أهلنا في كل المملكة. فتواصلنا مع مختلف المحافظات، وبدأت أنا وزملائي كأطبّاء متبرّعين، ومعظمنا نعمل في القطاع الخاص، من مختلف التخصّصات، سواء علاج كيميائي، أو علاج بالأشعة العلاجيّة، أو جراحة، أو حتى عناية تلطيفيّة. وذهبنا إلى مختلف محافظات المملكة، فزرنا الصلت والزرقا والكرك وغيرها، ولم نزر فقط مجمعاتٍ نقابيّة، وإنّما التقينا أيضاً مع الأهل، وحرصنا أن يكون لقاءنا على مختلف المستويات، وكان هناك التقاء بأطباء من تخصّصات أخرى، وبطلابنا في الجامعات. نحن بحاجة إلى نشر ثقافة الوعي من مرحلة مبكّرة، يعني لا ينبغي أن نبدأ بمراحل متأخّرة، ولكن نحتاج إلى أن نبدأ مع طلابنا بالمدارس، والجامعات؛ حتى يكون عندهم قناعة أنّ الوقاية شيءٌ ممكن.
ماذا تعني “نستطيع” في شعار الحملة “أنا أستطيع… نحن نستطيع”؟
أردفت، تعني أنّنا نستطيع أن نخفّف، وأن نقاوم، وأن نتغلّب على السرطان. فالتغلّب على السرطان يبدأ بعدّة مراحل: الوقاية أولاً، ثم الكشف المبكّر، ثم العلاج، ثم العناية التلطيفيّة. لماذا نبدأ بالوقاية؟ لأنّ الوقاية لا تكون من الطبيب، ولا تكون كما ينتظر النّاس – بكل أسف – من المؤسّسات الحكوميّة أن تقوم بعمل برامج وقائية، فلماذا لا نقوم نحن بذلك؟ فكانت الفكرة لأول مرّة عندنا عن طريق الجمعية، وكان الجهد ذاتيّاً منّي ومن زملائي، أن نتواصل مع أهلنا. فحدّثناهم عن الغذاء الصحّي، فالفواكه والخضروات ليست جيّدة للوقاية من السرطان فقط، ولكنّها تقي أيضاً من أمراض القلب مثلاً. السبب الرئيسي الأول للوفاة ليس السرطان، وإنّما أمراض القلب. التفاح جيد جداً، لذا ننصح بتناول خمس حصص من الخضروات والفاكهة. سُئِلْتُ مرّةً كيف نأتي بخمسة أنواع، ولكنّي لا أقصد ذلك، فالتفاحة الواحدة تعادل من حصّتين إلى ثلاثة من الفاكهة يوميّاً. إذاً، أشياء بسيطة نغيّرها في حياتنا اليوميّة تخفّف نسبة الإصابة. كذلك نصحنا بالرياضة، ولم نتحدث عن المشاركة في الجيم، ولكن يكفي المشي وصعود الدَرَج ونحو هذه الأشياء، فالمشاركة في الجيم مكلّفة. أنا أشجّع الذين يزوروني كمرضى، فواحدة من المرضي حدثتني عن دفعها اشتراك في الجيم كتبرّع، فلا يذهبون إليه، ولكنّهم يدفعون اشتراكاً؛ لكي يشعرون بالراحة النفسية. فالمشي وصعود الدَرَج من الرياضة المفيدة أيضاً. هناك شيءٌ مهم لا بد أن أذكره، وإن كان قد يُحْزِن بعض الزملاء، وهو أنّنا – بكل أسف – أخذنا المرتبة الأولى بين الدول العربيّة في ارتفاع نسبة التدخين. فننصح المدّخنين، ونقول لهم: “أقلعوا عن التدخين من أجل من تحبّون”.