هل بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
غزو بوتين للأراضي الأوكرانية بدأ، والجيش الروسي اقتحم -بالفعل- الحدود الشرقية للبلاد. هكذا رأى الغرب هذا المشهد. بعد خطاب طويل مشتت ألقاه من باتت تسميه أوروبا وأمريكا: مرشدا أعلى جديدا. لكنه هذه المرة روسي أشد قوة وحنكة وجبروتا من نسخته الإيرانية. لأن الكثير والكثير حدث بعد اجتماع رئيس روسيا فلاديمير بوتين مع أتباعه عندما كان جالِسا على مقعد بمفرده في قاعة من الأعمدة بالكرملين. يطل من بعيد على مريدين أضناهم بالأسئلة المحرجة وهم يبتلعون ريقهم.
بين هؤلاء مدير المخابرات سيرغي ناريشكين، المعروف بمواقفه المتشددة والمعادية للغرب. إلا أنه تلعثم كثيرا عندما سأله بوتين إن كان يدعم قرار استقلال إقليمين أوكرانيين. قبل أن يشب عن الطوق ويقول إنه يدعم ضم لروسيا.
حينها جزره بوتين وذكَّره أن الموضوع ليس الضم بل الاعتراف باستقلالهما.
ربما من هنا ستكون نقطة التحول الهامة. ليس فقط في حكم بوتين الطويل لروسيا وإنما منعطفا تاريخيا أمام كل العالم.
حيث سيغير بوتين المعمار الأمني الأوروبي، وقد يقود إلى حرب عالمية فظيعة. خاصة وأن اجتماعه مع مريديه تمخَّض فأنجب شرارة الحرب؛ حين استقبل بوتين رئيسي لوهانسك ودونيتسك الانفصاليتين عن أوكرانيا قبل توقيع اتفاق اعترفت فيه روسيا باستقلال الدولتين.
لكن الأمر الذي قوبل بالاحتفال وإطلاق الألعاب النارية في الإقليمين الانفصاليين، ما زالت ردود الفعل عليه من أمريكا والغرب لم تنتهي.
حيث صدرت بيانات الإدانة والتهديد والوعيد من كل حدب وصوب. فأمريكا ستعاقب روسيا والانفصاليين. ودول أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا وإنجلترا، أكدت بدء اتخاذ إجراءات لفرض عقوبات على روسيا ترهق اقتصاد موسكو، وتضعها في عزلة دولية.
لكن الكرملين لم يتأخر ليقول: لقد اعتدنا على عقوباتكم.
أما التبعات الأهم هي ما يحدث على الجبهات. حيث يستمر التصعيد وتساقط القتلى جراء القصف المتبادل بين قوات الانفصاليين المدعومين من روسيا وجيش أوكرانيا. في وقت اتخذت روسيا قرارها فعلا، ودخلت قواتها الإقليمين الانفصاليين.
أحكام الحرب
رغم تحذيرات الغرب من عواقب كارثية اتخذ بوتين قراره واعترف باستقلال وسيادة كل من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوجاسكا الشعبية. في مخالفة لاتفاقات مينسك اثنين للتسوية التي تم توقيعها بين موسكو وكييف في ٢٠١٥. في محاولة لوضع حد للنزاع الذي اندلع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا. ما يعني انسحاب روسيا رسميا من اتفاقات مينسك. وبالتالي؛ عودة معارك منتظمة بين القوات الحكومية والانفصاليين المواليين لروسيا.
لكن هذه المرة بوجود جيش روسيا رسميا داخل أراضي أوكرانيا. إذ طلب بوتين من القوات العسكرية الروسية الدخول إلى المنطقتين الانفصاليتين بهدف حِفظ السلام.
ما يعني عمليا أن موسكو سترسل قوات عسكرية لحماية حلفائها، وأنها ستتدخل عسكريا لمساندتهما ودعمهما في وجه القوات الأوكرانية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تأزيم الوضع الميداني في تفكير لما حدث في ٢٠٠٨ عندما أرسلت موسكو قوات حفظ السلام إلى إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية/جورجيا. بهدف ردع قوات الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي.
ومع انتشار الجيش الروسي اليوم داخل المنطقتين الانفصاليتين. فإن أوكرانيا تكون فقدت السيطرة عليهما.
وفي حال تأتَّت أي ردة فعل عسكرية من حلف الناتو المرابط على الحدود لن يكون هناك أدنى فرصة لإيقاف حرب عالمية ثالثة قد تضع حدا لشكل البشرية الذي نعرفه اليوم.
العقوبات على روسيا ستكون وخيمة
بانتظار الحرب التي قد تشتعل في إي لحظة؛ يبدو أن أمريكا وباقي دول الغرب قد اتخذت قرارها بفرض عقوبات اقتصادية مرهقة تشل موسكو.
حيث طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفرض عقوبات أوروبية تكون محددة الأهداف على روسيا. بينما أعلنت الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على الانفصاليين.
كما بات من المنتظر أن تُجهض خطوة بوتين وبشكل نهائي مشروع خط أنابيب الغاز (نورد ستريم ٢) Nord Stream 2 بين برلين موسكو.
أما بريطانيا فقد اعتبرت أن الغزو الروسي بدأ فعلا لأوكرانيا. مع التعهد بألا يمر انتهاك روسيا لالتزاماتها الدولية من دون عقاب.
في وقت تشير مراكز بحثية متخصصة إلى أن العقوبات الغربية ستتخذ شكل خطة لتدمير فلاديمير بوتين وموسكو بأُم العقوبات. وعلى رأسها:
- معاقبة فلاديمير بوتين وحاشيته وتجميد أصولهم.
- منع مسؤولين وشخصيات روسية من دخول أمريكا ودول أوروبا.
- حرمان روسيا من التعامل بالدولار وتقييد صادراتها ووارداتها.
- عزل موسكو من شبكة الاتصالات المصرفية العالمية سويفت (SWIFT).
- منع وصول روسيا إلى أسواق الديون الدولية لعدم تنمية اقتصادها.
- إدراج البنوك الروسية بالقائمة السوداء ومحاصرة الروبين.
- وضع قيود على تصدير موسكو للنفط والغاز.
- حرمان من التكنولوجيا المتقدمة.
وتبقى أهم العقوبات: وقف مشروع خط نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا نوردستريم اثنين. رغم أن أوروبا ستفكر كثيرا قبل أن تغلق حنفية الطاقة الروسية المفتوحة عليها.
لكن؛ كل شيء يشير إلى أن الحرب باتت أقرب من أي وقتٍ مضى. وبانتظارها سيحاول الغرب معاملة بوتين مثل شخصية معزولة.
وربما قد تثار تساؤلات عن حالته العقلية! أو على الأقل تبني ما قاله ديمتري كودكوف -الناقد الحاضر الكرملين-: هناك حاجة لطبيبٍ نفسي.