الأمومة غريزة أساسية لدى جميع نساء العالم، لكنها في البرازيل تتخذ 215 شكلا مختلفا، بحسب عدد الجماعات العرقية في البلاد المترامية الأطراف بقارة أمريكا الجنوبية، ما يجعل من توفير الرعاية الصحية لكل منها تحديا هائلا، إذا أخذنا في الحسبان الخواص الثقافية.
وتعتبر سيلفيا المييدا، من مؤسسة الصحة الوطنية بولاية ريو دي جانيرو، أكثر الملمين بهذا الواقع عن كثب نظرا لخبرتها الطويلة في مجال التمريض في مواقع الهنود الحمر شمال حوض الأمازون، «توجد عادات غريبة لدى بعض السكان الأصليين مثل قيام المرأة بإعادة المشيمة إلى جماعتها بعد الولادة،
فيما تعتبر غيرها أن من المهم هو أن يولد البشر ويموتون في أراضيهم، أما بالنسبة لآخرين، فإن الأمر يتطلب توفير الرعاية الصحية في بعض القرى وتقديم خدمات خاصة للنساء الحوامل مثل قص الشعر والرسومات». وتشرح المييدا «لدينا مبادئ توجيهية عامة لصحة الأم والطفل، لكننا رأينا الحاجة إلى مهارات وخدمات معينة للسكان الأصليين».
وتضيف «يتعلق الأمر بمراعاة الثقافات المختلفة بما يشمل احترام المعالجين والمولدات التقليديات والعلاج بالأعشاب، ثم هناك مفهوم الحمل حسب كل جماعة أصلية، ما يتطلب تدريبا خاصا للعاملين في الرعاية الصحية الميدانية لمراعاة المفاهيم المختلفة».
وتوضح «المؤسسة الوطنية للهنود الحمر» أن البرازيل تؤوي 460 ألفا من السكان الأصليين، موزعين على 215 مجموعة أصلية تمثل 0.25 % من سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 193 مليون نسمة. لكن المؤسسة تقدر أيضا أن هناك ما بين 100 و190 ألف مواطن من هؤلاء الأصليين يعيشون خارج أراضيهم بل وحتى في المدن، إضافة إلى آخرين لم يتم الاتصال بهم.
ويتواجد السكان الأصليون في 24 ولاية و336 تجمعا سكانيا و4.413 قرية. وينتشرون على مساحة قدرها 107 ملايين هكتار، أي 12.6 % من مساحة البرازيل، حيث تعيش معظم هذه الشعوب في بلديات صغيرة في شمال غابات الأمازون.
وتفرض الظروف الجغرافية العديد من جوانب القصور في البنية التحتية وصعوبة وصول العاملين في مجال الصحة وخدمات الدولة بشكل عام. ولذلك يذهب العاملون في مجال الصحة الذهاب مرة واحدة في الشهر لكل قرية، ومن ثم تصبح القابلات والمولدات والأقارب هم المسؤولين عن صحة الأمهات، كما تظهر الخلافات أيضا في قضايا مثل الرضاعة الطبيعية التي تشجع عليها الدولة. ففي بعض المجموعات العرقية على سبيل المثال لا يجوز للأمهات توفير أول رضاعة، فالجدة هي من تتولاها.
ونظرا لهذه الاعتبارات، تم إعداد برنامج صحة الأمهات في حالة الشعوب الأصلية بواسطة علماء الأنثروبولوجيا والمعالجين التقليديين والقابلات والمولدات والزعماء الروحيين لهذه الشعوب، فلدى كل مجموعة عرقية مفهوم للصحة يشتمل على أبعاد روحية، كما لا تقبل الشعوب الأصلية دائما وسائل العلاج الغربية.
وإذا اكتشفت إحدى عاملات الصحة، حتى ولو كانت قد تأهلت في صلب الجماعة، حالة حمل خطرة، فإنها تعمد إلى نقل المرأة إلى المستشفى، أحيانا بطائرة أو سفينة، وبالتالي، ومن أجل تجنب الصدمة الثقافية تم إقامة دور شفاء بالقرب من القرى، حيث تنقل العائلة بأكملها في بعض الأحيان لضمان عدم انفصال أفرادها. ويجري التشجيع على أساليب الوضع التقليدية عند يكون الحمل مأمونا، كما تجري مناقشة بضع قضايا صحية أخرى مثل الوقاية من سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي والأيدز والزهري وقضايا المساواة بين الجنسين والعنف المنزلي. وقد انخفض معدل وفيات الأمهات في البرازيل من 140 حالة لكل مليون ولادة حية في عام 1990، إلى 75 في 100 ألف في عام 2010.