مِن موارد المغالطة في الاستدلال بالنصوص الشرعية استصحابُ الإجماع على اعتبار القرآن الكريم/السنة الدليلين الأصليين في بناء الأحكام، وأنه لا يحل لمسلم ردهما بحال، وهذا معلوم لكل أحد، لكن حقيقةَ الإجماع منعقدةٌ على اعتبار القرآن والسنة دليلين إجماليين لا على وجه التفصيل، إذ الخلاف كثير في الأدلة التفصيلية، فما يراه قوم دليلا عاما يراه آخرون مخصَّصا، وما يراه بعضهم منسوخا يراه غيرهم مُحكَما، وما يرى فيه بعضُهم دلالةً يرى فيه غيرُهم دلالة أخرى، وما استنبط منه بعضهم الدلالة على الوجوب استنبط منه آخرون الدلالة على الندب.. وهكذا..
وقد قلت هذا الكلام لأني رأيت بعضاً من إخوتي في معرض الرد يقفزون في الخلاف الذي مَنشؤُه النصوص الظنية متعددة الدلالة ليرموا المخالِف بِرَدّ القرآن أو السنة، فيحكمون تبعا لذلك بكفره. والحق أنه في موارد النزاع لا أحد يَرُدُّ جنسَ القرآن أو السنة كدليل إجمالي، وإنما المردود هو الدلالةُ التي فهمَها الأولُ من الدليل التفصيلي (الآية/الحديث)، والتي فهم الثاني خلافَها.
والمثال المختصر لكل ذلك، اختلاف الصحابة في الحديث المشهور (الصلاة في بني قريظة)، فلا أحد من الفريقين اتهم الآخر برد جنس الدليل، وإنما كان النقاش حول دلالة الدليل، ثم أتى الصادق المصدوق ﷺ فقبِلَ الفهمَيْن بسكوته عنهما، إذ ثبت في الفريقين القصد إلى طاعة الرسول وإن كانت حقيقة الفعلين متباينة.
والله أعلم..
كتب: أيوب أبسومي