قول النبي الأكرم ﷺ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ». لا يعني به ما يمكننا الاتفاق عليه بـ <العقل الفطري>، والمقصود به مبادئ العقل الأولية وأسسه الإدراكية، كواحد زائد واحد يساوي اثنان، وكل حدث لابد له من سبب، والمتشابهات تتساوى في الحكم، وما يشبه هذا، فهذا العقل يولد به كل إنسان، رجل أو امرأة، فطرة فطر الله خلقه عليها، ولن تجد لفطرة الله تبديلا.
هذا العقل الفطري غير مقصود في الحديث، لأنه أساس التكليف الإلهي للبشر، الرجال والنساء، فحين تصل المرأة إلى سن البلوغ، تكون قد دخلت في دائرة التكليف الإلهي، مثلها مثل الرجل إذا بلغ، وتكون مسؤولة عن تصرفاتها ونشاطاتها شرعاً، وسيتحدد مصيرها الأبدي في الآخرة على حسب ما قامت به تجاه الشريعة. ولهذا كان الخطاب الإلهي في القرآن والسنة متوجها للرجل والمرأة معا إلا ما خصه دليل معين. والتكليف الذي يكون حوالي 14 عاما، يعني أن هذا الشخص [رجل أو امرأة] صار مؤهلا في قواه العقلية والنفسية لتحمل التكاليف والأحكام الشرعية، ولهذا قالوا في الأصول: العقل مناط التكليف، أي إن التكليف يدور مع العقل وجودا وعدما.
إذا علمتَ هذا، علمتَ أن النقصان المشار إليه في الحديث لا يتعلق بهذا العقل كما ذكرت لك أول الكلام. ومن هنا، يترتب على هذه الحقيقة، أن النقصان يتعلق بمعنى آخر من معاني العقل، دعنا نصطلح عليه بـ <العقل العملي>، فهذا العقل يصح فيه الكمال والنقصان باعتبار أنهما يتعلقان بمجموعة من العناصر التي تتدخل في ذلك، كالتجربة والخبرة والعلم وغير ذلك. فكل هذه الروافد تؤثر على هذا العقل في كل الناس، لذلك يقال: الشيخ أعقل من الشاب، العالم أعقل من الجاهل، لما معهما من الخبرة والمعلومات التي لا تكون عادة مع الشاب.
ثم هناك عنصر آخر يتدخل في كمال ونقصان هذا العقل وهو طبيعة المرأة وطبيعة الرجل، بسبب اختلاف الوظيفة التي خُلق لها كل واحد منهما. فلما كان الرجل في الوضع الإلهي مخلوقا للكدح والعمل ومواجهة الخارج لتوفير الأمن لنفسه ولغيره، لا جرم أن كان مهيأ أن يكون عقله العملي متصفا بمجموعة من الصفات التي لا يستقيم بها ما خُلق له إلا بها، وذلك مثل الميل نحو الشدة والقسوة، الميل نحو التركيز والمباشر، الميل نحو الصبر والمقاومة، وغير ذلك، عكس المرأة التي تميل بطبعها نحو التعاطف، والرقة، وتعددية التركيز، واللامباشرة، وسرعة الانفعال، لأن كل هذا مطلوب لوظيفتها في الحياة، أي توفير السكن للزوج، وتربية الطفل.
فهذه قبسة من قبسات معاني ودلالات هذا الحديث النبوي الشريف. والله الموفق.
كتبه: نورالدين قوطيط
قد تكون مهتمًا أيضًا بالاطلاع على: أهم كتب الحديث وشروحها