تابعت قليلا الضجة الفيسبوكية حول فيديو الشيخ مولود السريري المغربي المتعلق بالعقيدة والكلام.. ولقد شاهدت الفيديو الذي استمر حوالي 40 دقيقة.. وهذه نقاط عامة لم أقصد بها التتبع والتفصيل:
1/ أصاب الشيخ في قوله بأن العقيدة الواجب اعتقادها هي التي جاء بها الأنبياء عليهم السلام، والتي كان عليها حتى الصحابة والسلف.
2/ أصاب الشيخ في دعوته عدم إدخال عامة المسلمين في جدل المذاهب الكلامية، بل واجب العامة الاشتغال بالقربات والطاعات.
3/ أصاب الشيخ في دعوته الشباب السالك سبيل العلم ألا يهدروا أوقاتهم في جدل هذه المباحث وأن يشتغلوا بالعلم النافع.
4/ أصاب الشيخ في بيانه أن علم الكلام له سياق خاص، وأن المتكلمين اضطروا لذلك، وهذا أوافقه عليه بنسبة كبيرة.
5/ أصاب الشيخ في بيانه أن المتكلمين مستحيل أن يكونوا بخوضهم في هذه المباحث هدم الإسلام أو عدم إجلال الله تعالى. فهذا أوافقه عليه بنسبة كبيرة، ولا ينفي وجود زنادقة بينهم، فهذا مؤكد.
6/ أصاب الشيخ في إشارته إلى أن الكلام أدى ببعضهم إلى نهايات مرعبة جدا، ويكفي قراءة كتب مقالات الفِرق، كفرق البغدادي ومقالات الأشعري وملل الشهرستاني (كنت قلت هذا في بعض المنشورات فثارت ثائرة كثير من الشباب حتى من يدعون الانتماء إلى الأشعرية، فلماذا لم تثر ثائرتهم الآن على الشيخ لهذا الكلام)
7/ أخطأ الشيخ في وصفه الإمام الدارمي بالسفه، رغم أنه لم يسمه، لأن الإمام الدارمي أحد كبار علماء أهل السنة والأثر، وقد نتفق على خطأ قولته، لكن يمكن الاعتذار عنه، وإلا فهل يقبل الشيخ السريري وصف الأشاعرة في قولهم عن الله “لا داخل العالم لا خارجه”، وقولهم بعدم وصفه بالعلو والفوقية، وقولهم بأنه في الآخرة لا يرى في جهة = هل يقبل أن يقال بأن قولكم هذا يعني نفي وجود الله أصلا، وأنكم أضحكتم عليكم العقلاء في قولكم بما يتناقض مع بديهة العقل، وأنكم تعبدون عدما لا حقيقة له!!
8/ لم يكن الشيخ منصفا في بيانه حول الاعتقاد السلفي، رغم أن كلامه في كثير منه كان عاما، لكن مؤدى قوله أن أئمة أهل الأثر ومنهم أئمة فحول هم أساس العلوم الشرعية، كانوا مجسمة، وهذه سوءة معرفية صارخة، فأئمة السنة والأثر ما زالوا يقررون نفي الجسمية عن الله تعالى، وإلا فيمكن اتهام الشيخ السريري بأنه وقع في التعطيل، والتعطيل لا يكون إلا بالتشبيه المسبق، فلا يُعطّل إلا مشبه.
9/ أخطأ الشيخ في بيانه أن إثبات المعنى مع نفي الكيفية تناقض، وهذه مغالطة، فلا ارتباط بين الأمرين، وإلا فهل نسي الشيخ أنه هو شخصيا يثبت وجود الله حقيقة مع نفيه إدراك الكيفية والحقيقة؟ ومن قواعد أهل السنة والأثر “الصفات تبع الذات”، بمعنى أن الذات الإلهية لما كان له الكمال المطلق والعظمة اللانهائية استحال على المدارك المخلوقة إدراكه، فكذلك صفات هذه الذات، ولهذا كما أننا نثبت الذات مع جهلنا بالكيفية، فكذلك نثبت الصفات مع جهلنا بالكيفية، وعدم العلم ليس علما بالعدم، وهذه حقيقة تشمل حتى عالم المخلوقات، فنحن نثبت الروح ونجهل كيفيتها، ونثبت الكهرباء ونجهل كيفيتها، وقس على هذا، ولله المثل الأعلى.
10/ لست أفهم الضجة التي قام به المنتسبين للسلفية، نعم، هم معذورون لأن الأمر تعلق بأئمة المذهب العقدي الذي ينتمون إليه، لكن، يجب أن نتذكر أن الشيخ السريري تكلم في الموضوع بمنطلقاته الأشعرية الخاصة، فكان من الطبيعي أن يقول ما قال، نعم، لا شك أن الإنصاف منه كان مطلوباً في تقرير الأمر، وكان بسبب منزلته العلمية وشهرته أن ينأى بنفسه عن الوصف الضمني لأئمة أهل السنة والأثر بالجسمية وبعضهم بالسفه، لكن، ينبغي أن نقول بأن السلفي هو أيضا حين يتكلم في الموضوع فإنه يصف الأشاعرة بالبدعة والضلال والجهمية والانحراف، والأمر يبدو طبيعيا إلى حدود معينة، فلا يمكن أن يتكلم أحد في الموضوع ويقول “أنا السلفي على حق، والأشعري على حق” فهذا تناقض. وإنما المطلوب من أصحاب المكانة العلمية والشهرة بين الشباب أن يحرصوا على إلجام أنفسهم بأدب القول لتفادي مزيد من الشقاق في صف الأمة.
وبعد؛ قول بعض محبي الشيخ “من أنتم لتردوا عليه؟ الشيخ هو العلامة والفقيه والأصولي وووو”، قلت: هذا الكلام سوقي لا يقوله طلاب العلم، فالقضيتان مختلفتان، فكون السريري فقيه وأصولي وووو هذا شيء، وكونه أخطأ في بعض القول المتعلق بالاعتقاد شيء آخر، أرأيت لو قال قولا في فروع الفقه، فقيل لقد أخطأ؟ أكان يصح أن يقال، هو أصولي وفقيه ووو، فهذا كما قلت كلام أهل الجهل والحماسة الطائشة، فمرتبة الشيخ السريري في الفقه والأصول محفوظة والكلام ليس حولها لأنه أساسا موضوع الرد لم يكن متعلقا بمسألة فقهية أو أصولية.
وختاما، نعم، في الأشاعرة والمعتزلة فضلاء وصالحون وأئمة كبار، لا ينكر أحد ذلك، لكن، هذا شيء، وتقرير خطأ القول الأشعري وبدعيته في بعض المسائل العقدية شيء آخر، فلا المعنى الأول يرفع المعنى الثاني، ولا المعنى الثاني ينفي المعنى الأول. والله سبحانه يتولى الجميع برحمته ومغفرته وعفوه. والحمد لله رب العالمين.
بقلم: نورالدين قوطيط