لأنه شرطُ فهمِ القرآن الكريم والسنة النبوية. وعندما أقول الفهم، فإني لا أقصد مجردَ ما يتبادر إلى الذهن من المعاني السطحية، بل أقصد فهمَ المعنى بتمامِه. وهذا الفهم كان عند العرب الأوائل طبيعةً ونحيزةً فيهم، ولذلك، لمّا اتسعت رقعة الإسلام واختلط العرب بالعجم ضعف الفهم لضعف الطبائع، فأُلِّفَت المعاجمُ لتقريب المعاني، لكنها صارت عند المتأخرين كلَّ المعنى، ولهذا صار الفهم ضيقا بضيق ما في تلك المعاجم.
وتعلم اللسان العربي مهم لأن به يحصل تمام الفهم لكلام الله ﷻ وكلام رسوله ﷺ، وأضرب مثالا واحدا لذلك:
قال الله ﷻ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب}.
فالآية قائمة على ما يسمى (الشرط اللزومي)، وفهم هذا الأسلوب له أثر على عقيدة المسلم أولا، وعلى سلوكه ثانيا. أما على عقيدته ففي فهمه أنه لا انفكاك بين الشرط (=ت قوى الله) وبين جزائه (= المخرج والرزق)، وأن الله ﷻ لا راد لما قضى ولا تخلُّفَ لما وعدَ به، فإذا لم يصل المرء إلى هذا اليقين فعليه أن يرتقيَ بإيمانه ويجددَه ويُقوِّيَه. ولن يصل إليه بهذه الآية إلا إذا استقرت في نفسه قوة اللزوم بين الشرط ومشروطه بناءً على علمه بصدق وعد الله ﷻ.
وأما أثر هذا الفهم على سلوك المسلم، فهو تابع للأثر السابق، إذ متى غمَرَ الإيمانُ قلبَ المؤمن وأدرك يقينا اللزومَ بين الشرط السابق وجوابه اللاحق له، انعكس هذا على سلوكه فعمِل بتقوى الله، التي هي جالِبةٌ للمخارج مِن الضيق وللرزق من غير احتساب.
فرج الله عنا وعنكم ورزقنا وإياكم من حيث لا نحتسب.
والله أعلم.
بقلم: أيوب أبسومي