في رواية “العطر: قصة قاتل” للروائي “باتريك زوسكيند” سرد لقصة عبقري حقيقي لم يذكره التاريخ، استطاع أن يمتلك ذكاءا فطريا خالصا في القدرة على شم الروائح، لم يكن هدفه صناعة عطر لم يسبق لأحد من قبله ابتكاره، بل كان فقط بشخصيته المركبة يهدف إلى تلبية متطلبات ذاته. استطاع بطل القصة “غرنوي” أن يصنع عطرا من جثث 25 فتاة بارعة الحسن، قام بقتلهن لسرقة عبق رائحتهن ثم قص شعر كل واحدة منهن. وذلك لصناعة عطر استطاع في نهاية الرواية أن يسلب كل من حوله لإرادته وتطويعها للخضوع لمحبته هو، فكان بمقدوره أن يذهب إلى الملك لجعله يقبل قدميه. في تلك الرواية سرد روائي إبداعي لعبقري حقيقي كان منبوذا من المجتمع، محروما من كل أنواع الذكاء الأخرى. استطاع بإرادة ملحة لشم العطر الذي يبحث عنه أن يؤدي مهمة صناعة ذلك العطر.
عندما تقرأ الرواية تكاد أن تؤدي بك لذتها للاعتقاد بأن الذكاء الشمي هو سيد كل أنواع الذكاء. وبعيدا عن تلك اللذة قد ترى بأن الرائحة تؤثر في علاقتنا مع الآخرين تأثيرا بالغا.
بعد قراءتي لتلك الرواية كنت صدفة مع احد الأصدقاء وهو يعشق العطور لدرجة أنه يشتري حتى العطور التي يبيعها المارة، ويتغزل في وصف أسماءها وطبائعها. كنا نتحدث عن تصرفات أحد الزملاء السلبية، فكان تعليقه والاشمئزاز يملأ وجهه: إنه كريه الرائحة! أدركت حينها أنه يمتلك ذكاء شميا، وأنه ذكاء بالغ التأثير فعلا.
إن أهم غايات العطر، هو الإرتباط الجنسي، فقد تفنن البشر عبر التاريخ في إبتكار العطور كي تجذب المرأة زوجها ليزيد عشقا بروحها وجسدها والجماع بها. وكان اكتشاف الحفاظ على عمر العطر عبر مزجه بالكحول احد اهم الإكتشافات التي غيرت طريقة البشر في اقتناء العطور، وينسب ذلك الإكتشاف للفرنسيين ورغم شهرة باريس الحديثة كعاصمة العالم العطرية، غير أن فرنسيوا باريس كانوا يوما ما أقذر الأمم في روائحهم الكريهة. فتلك بمبدأ التفكير كانت مشكلة، أوجدت الحل، فكان هذا الإختراع.
بمزيج من العلمانية التي حاربت أقسى إرهاب كنسي أوروبي أصبح الفرنسيون أكثر الأمم إباحية في العالم، الجنس والعطر ذلك المزيج الجنسي المروع، والذي أصبح هناك بديلا صارخا للروح.
واقرأ أيضًا: رواية سد هارتا